نكهة الأناناس 

يقال إن كولومبس حين اكتشف فاكهة الأناناس، سعى جاهدا لأن يكون الاسم الذي يطلقه عليها مبتكرا. تبادر إلى ذهنه أن يدمج صفتين مرتبطتين بهذه الفاكهة من حيث الشكل والمذاق ليجمع الاسم بين حلاوة مذاق التفاح وشكل الصنوبر، فكان الاسم الذي نعرفه اليوم باللغة الإنجليزية “pineapple” اختصارا لكلمتي pine“& apple”. ولأن الحصول على هذه الفاكهة في أوروبا لم يكن بالأمر السهل بسبب صعوبة النقل من القارة الأمريكية، فقد ارتبط الاسم بمفهوم الضيافة والترحيب. مؤخرا وفي القرن العشرين نقل الإسبان هذه الفاكهة معهم إلى آسيا فانتشرت بسبب الأجواء المناسبة لزراعتها. وفي الحقيقة أن القصة التي أحببت أن أشارككم إياها اليوم هي بالفعل من قارة آسيا.

 تبدأ أحداث قصتنا بمشهد لطفلة في الرابعة أو الخامسة من العمر، ملامحها تعطيك انطباع حاد بطموح غير منقطع، لكنها بسبب تردي الأوضاع المادية حصلت على تعليمها من والدتها بالتجربة والممارسة. تقف الطفلة الصغيرة بجانب والدتها التي اعتادت أن تقطع شرائح الأناناس كل صباح لتكسب من بيعه ما يمكنها من العيش هي وابنتها دون حاجة لتمد يدها للسؤال. تتابع الطفلة وهي تساعد والدتها في السوق بعض الأطفال يتجهون لشراء المثلجات بعد يوم دراسي طويل. الأم التي تحاول أن تلبي رغبة ابنتها في تجربة المثلجات قامت بتبريد بعض القطع المعروضة للبيع ومن ثم مناولتها للطفلة حتى تجربها. إلى هنا قد تبدو القصة طبيعية وإن كانت تحمل بعض الملامح العاطفية، لكن قصتنا لهذا اليوم تبدأ من هنا:

تسأل الطفلة أمها سؤال عابر فتقول ” إذا كنا نملك هذه الإمكانات فلماذا لم نفكر يوما في بيع المثلجات من قبل “؟  تطور نشاط الأم بعد ذلك وتحسنت الأوضاع بعد أن استطاعت الاستفادة من مورد جديد تملكه لسنوات ولم تستفد منه يوما. نحن غالبا ما نملك الموارد لكننا لا نعير لها بالا، أو نغفل عنها حتى نمر بموقف عابر. وهنا أقول من المهم التقاط الصور العملية للمراحل التي نمر بها في تسيير أعمالنا ومراجعتها من وقت لآخر، فقد يكون ذلك دافعاَ للتحسين بشكل مستمر. لا يجب أن نتوقف عن التطوير لمجرد أننا اعتدنا على أداء مهام بطريقة ثابتة ومحددة، بل يجب أن نستشف نقاط الإلهام التي تحرك داخلنا الرغبة لأداء العمل بطريقة مبتكرة. 

من هذه الابتكارات التي تحضرني اليوم، سؤال عابر مر بذهني وأنا أبحث عن تاريخ هذه الفاكهة. فكر معي عزيزي القارئ كيف ارتبط منتج مثل البيتزا الشهيرة بهذه الفاكهة ذات الأصول الأمريكية الجنوبية؟ السيد “Sam Panopoulos” مهاجر يوناني افتتح أحد المطاعم بالقرب من مدينة ديترويت قبل أكثر من خمسين عاما لكنه لم يوفق في تحقيق مبيعات جيدة. حاول الرجل أن يتفنن في تقديم وصفات وأطباق جديدة ولكن التغير الجوهري بدأ فقط حين تطورت الأحداث من حوله وأصبح يجرب أفكاراَ غير مألوفة في وقته. بعد أن هدأت الحرب العالمية الثانية، بدأ يظهر تأثير المطبخ الصيني مع انخراط الجنود العائدين من جنوب المحيط الهادئ بعد الخدمة في الجيش. تنامي الاهتمام بدمج المذاق الحلو والمر المنتشر أساسا في هذا المطبخ، فتبادرت لذهنه فكرة تجربة شرائح الأناناس مع فطيرة البيتزا. في البداية لم يعجب هذا المنتج المقربين، لكن مع الوقت بدأ يأخذ في الانتشار شيئا فشيئا. توفي السيد سام الذي ابتكر هذه الوصفة قبل قرابة العام عن عمر يناهز الثمانين بعد أن أكد لنا نتيجة يتفق فيها مع قصة الطفلة في أن التجربة والملاحظة لنقاط القوة حولنا والموارد التي نملكها تشكل وقود نجاح يجب ألا نغفل عنه أبدا.