الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمر العالم بمتغيرات عديدة وكذلك الاقتصاد، وبناءً عليه فقد تغيرت بعض المفاهيم وآلية إدارة الأعمال. ومع هذه المتغيرات نشأت مؤخراً ظاهرة اقتصاد العربة “Gig Economy”، أو كما يعرف أيضاً باسم الاقتصاد التشاركي أو الاقتصاد حسب الطلب، مما ساهم في توفير خدمات للمستهلك بشكل لحظي وبجودة عالية.
ومن سمات اقتصاد العربة تكوّن بيئة تسود فيها الوظائف ذات العقود قصيرة الأجل، ولجوء المنظمات إلى التعاقد المؤقت مع الأفراد لإنجاز مهام محددة. وتعد تطبيقات توجيه المركبات ومنصات الأعمال الحرة، بالإضافة إلى منصات تأجير المساكن الخاصة، من الأمثلة الشائعة على ممارسات اقتصاد العربة.
وبحسب دراسة أجراها معهد بروكنقز بالولايات المتحدة الأمريكية فإن معدلات التوظيف في اقتصاد العربة تنمو بوتيرة أسرع منها في الوظائف التقليدية. وبحسب الدراسة أيضاً فإن أعداد العاملين في اقتصاد العربة في الولايات المتحدة –الذين يعملون كمتعاقدين مستقلين وغالباً من خلال تطبيقات الهواتف الذكية– قد ازدادت بنسبة 27 في المئة عن العاملين في الوظائف التقليدية، ويظهر التأثير الأكبر في قطاعات معينة كقطاع النقل الذي سجل نسبة عاملين أعلى بحوالي 44 في المئة.
وفي المملكة يعد اقتصاد العربة أحد القطاعات الناشئة ويتركز في مجال توجيه المركبات من خلال تطبيقات الهواتف الذكية. وبحسب تصريح وزارة النقل، فقد بلغ عدد السعوديين العاملين في هذا القطاع أكثر من 113 ألف شاب سعودي بعد جهود الوزارة لتوطين القطاع مما أدى إلى توفير فرص عمل جيدة وبنمو متسارع. بحسب جريدة عكاظ يوم الاثنين 24 يوليو 2017
كيف يعمل اقتصاد العربة؟
هناك أوجه عديدة لاقتصاد العربة وذلك بحسب الخدمة المقدمة. على سبيل المثال، تقوم فكرة عمل اقتصاد العربة في مجال الأعمال الحرة – كالكتابة والاستشارات المختلفة والتصميم وغيرها- على طرح صاحب العمل مشروعه للجمهور على شكل مناقصة، ومن ثم يتقدم العاملون بعروضهم (Proposal) مع عرض السعر وعرض نماذج سابقة لأعمالهم. وبناءً عليه، يختار صاحب المشروع الشخص المناسب لأداء المهمة. ولا تختلف الفكرة كثيراً في مجال خدمة النقل حسب الطلب (Ride-hailing service)، إذ يقوم الراكب بعمل طلب للتوصيل ويتم توجيه الطلب للسائقين القريبين ومن ثم يتم قبول الطلب وإتمام الخدمة. وتتم هذه الاتفاقيات والخدمات من خلال منصة تتولى عمليات الدفع والتأكد من جودة الخدمة المقدمة.
هناك ثلاثة خصائص تميز اقتصاد العربة عن غيره من الأعمال:
1. عدم التزام الفرد العامل بأوقات عمل محددة، إذ يختار بنفسه وقت ومدة ونوعية العمل.
2. عدم وجود وصف وظيفي محدد للمهنة، وعدم ارتباط الفرد بمنشأة معينة، بل هو من يدير نفسه ويختار الأعمال التي تناسب مهاراته وقدراته.
3. تعدد مصادر الدخل، فاستقلالية الفرد العامل وتعدد الخيارات أمامه للعمل لأكثر من جهة يساهمان في تنويع مصادر دخله.
إيجابيات اقتصاد العربة وسلبياته
هناك العديد من النقاط الإيجابية والسلبية لاقتصاد العربة. ومن الإيجابيات:
1. خلق فرص عمل جديدة ونوعية للأفراد والعاملين المستقلين، مما يساهم في تخفيض معدل البطالة.
2. عدم التزام الفرد بالعمل في أوقات محددة أو التواجد في مقر عمل محدد، مما يمكنه من العمل على عدة مشاريع في نفس الفترة مما يوفر له دخلاً أعلى.
3. يوفر العمل في اقتصاد العربة فرصاً للعمل في ثقافات عمل مختلفة بحيث يكون العمل مع أكثر جهة، مما يوفر التنوع في الخبرة.
4. التمتع بالحرية والاستقلالية في العمل، مما يوفر مساحة أكبر للإبداع وجودة المخرجات.
5. تنوع المشاريع، مما يسمح للفرد باختيار المشروع الملائم لمهاراته وقدراته.
6. انتفاء الحاجة لوجود مكتب أو مقر للعمل، بل يمكن العمل من المنزل أو العمل بالسيارة الخاصة كما هو الوضع في مجال النقل حسب الطلب.
7. سهولة وصول أصحاب الأعمال للمواهب والعاملين ذوي المهارات العالية.
8. اقتصاد العربة مناسب للمنشآت الصغيرة التي تواجه فترات تذبذب في الأنشطة، مما يصعب معه المحافظة على الوظائف الدائمة ويُستعاض عنها بوظائف بعقود قصيرة الأجل.
ولا يخلو اقتصاد العربة من بعض السلبيات، وهي كالتالي:
1. الأمان الوظيفي قد لا يكون حاضراً في اقتصاد العربة، إذ لا يوجد عقد طويل الأمد يلزم صاحب العمل باستمرارية العمل، وإنما تكون العقود على حسب المهمات أو المشاريع.
2. عدم تمتع العامل في اقتصاد العربة بما يتمتع به الموظف الدائم من منافع، إذ لا يحصل العامل المستقل على تأمين طبي أو تأمين تقاعدي وكذلك البدلات المختلفة كالنقل والسكن وغيرها.
3. ضرورة أن يكون الفرد ذا مهارات عالية في مجال ما، مما يزيد من صعوبة دخول المجال على البعض في بعض القطاعات.
4. وجود تنافسية عالية، حيث أن المنافسة ليست على المستوى المحلي فحسب وإنما على المستوى العالمي.
العوامل المؤثرة في ازدهار اقتصاد العربة:
من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ازدهار اقتصاد العربة هو النمو الحاصل مؤخراً في المنصات الإلكترونية، إذ أتاحت هذه المنصات العديدة للأفراد الحصول على مشاريع بشكل أكبر. كما أتاحت لهم فرصة لتسويق أنفسهم وخبراتهم على نطاق واسع مما سهّل الوصول إليهم. وتعد منصة freelancer.com من أكبر المنصات على الإنترنت، إذ تربط ما يقارب 24 مليون صاحب عمل وعامل في 247 دولة مختلفة.
ومن العوامل التي ساعدت في نمو فكرة اقتصاد العربة ارتفاع الطلب على المرونة في العمل، إذ تزيد الرغبة لدى العاملين الشباب في تنظيم جدول الوقت بشكل أكبر مرونة وعدم التقيد بأوقات وأماكن عمل محددة. وأظهرت إحدى الدراسات التي أجرتها شركة التوظيف العالمية (هايز) بأن حوالي 55 في المئة من الموظفين الأستراليين على استعداد على التخلي عن 20 في المئة من مرتباتهم مقابل السماح لهم بالعمل من المنزل، وحوالي 22 في المئة من الموظفين سيتخلون عن 10 في المئة مقابل مرونة أكثر في ساعات العمل. (المصدر: أضغط هنا )
التجارب الدولية
أفضل مثال يوضح حجم مساهمة اقتصاد العربة في النمو الاقتصادي هو ما يحدث في ماليزيا، إذ ترى الحكومة الماليزية أن اقتصاد العربة في ماليزيا فرصة لزيادة الإنتاجية في الدولة من خلال تمكين من يندرجون تحت فئة البطالة الجزئية – وهم فئة من القوى العاملة ذات مهارات عالية ويحصلون على رواتب منخفضة – من العمل في وظائف جزئية وساعات عمل مرنة. وقد أنشأت شركة الاقتصاد الرقمي الماليزية -وهي كيان حكومي- عدة برامج لتمكين العاطلين جزئياً من العمل في منصات اقتصاد العربة، منها منصتان إلكترونيتان. وتهدف هاتان المنصتان إلى إيجاد فرص عمل للمواطنين الماليزيين من خلال إكمال مهام ككتابة المحتوى وإدخال البيانات وغيرها. وتستهدف هذه البرامج فئة معينة ممن يصنفون في نطاق الأسر الـ 40 في المئة الأقل دخلاً. كما توفر هذه البرامج تدريبًا مهنيًا لرواد الأعمال والطلاب فيما يتعلق بالأعمال الناشئة. وكذلك توفر متاجر إلكترونية تمكن الطلاب من بيع منتجاتهم من خلالها.
وترى سنغافورة وتايوان فرصة كبيرة في اقتصاد العربة. وقد أنشأت سنغافورة مؤخراً اتحادًا للعمال لحماية العاملين في قطاع توجيه المركبات. كما أنشأت مؤسسة تطوير القوى العاملة السنغافورية مبادرات لمساعدة الأفراد العاملين في مجال الأعمال الحرة في البحث عن فرص وظيفية وتطوير مهاراتهم. وفي تايوان، ساهمت الحكومة في ضخ أكثر من 10 آلاف سائق للعمل في مجال توجيه المركبات. كما تعتزم الحكومة إنشاء وادي السيلكون الآسيوي الذي سيساهم بشكل غير مباشر في تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تؤدي دوراً محوريًا في تطور اقتصاد العربة.
الخاتمة
وبما أن هذا النوع من الاقتصاد يعتبر ناشئ في المملكة، من الأجدر أن يتم اقتراح مبادرات لتفعيل هذا القطاع وتنويع مجالاته والذي كما ذكر سلفاً بأنه يساهم بشكل كبير في خلق الوظائف. بالإضافة إلى ذلك تفعيل تنظيمات ولوائح تنظم هذا القطاع ليتمتع المستفيدين ببيئة توفر لهم الحماية والتنظيم المطلوب. لذلك من الجيد أن يتم التركيز على دعم مشاريع المنصات الألكترونية التي توفر فرص العمل أو أن يكون هناك منصة إلكترونية بإشراف حكومي وهذا من تم مؤخراً وبمبادرة من صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) تم إنشاء منصة (بحر) والتي تربط أصحاب المشاريع بالعاملين المستقلين لتنفيذ مشاريع مختلفة. وكذلك من الجيد ذكر جهود الهيئة العامة النقل في سعودة قطاع توجيه المركبات والذي ساهم بشكل كبير في توفير آلاف الوظائف للمواطنين السعوديين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال