الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التستر الجريمة التجارية الأكثر إضرارا بالاقتصاد السعودي ، والتي تتسبب في مشاكل وأضرار كبيرة جدا على مختلف جوانب الحياة وعلى وجه الخصوص الجانب الاقتصادي ، وقد عددت بعضها وزارة التجارة في موقها الرسمي . وما ذلك التعداد لأضرار التستر إلا عنوان لكوارث كبيرة سببها التستر في المملكة.
ورغم كل الإجراءات النظامية لمحاربة التستر من قبل وزارة المالية ومؤسسة النقد ووزارة العمل ووزارة التجارة، ودعم الداخلية ؛ إلا أنه لم يتأثر مطلقا ومازال مسيطرا ويتحكم في مفاصل التجارة في الاقتصاد السعودي.
لا توجد إحصاءات موثوقة تظهر حجم التستر في الاقتصاد السعودي في كافة القطاعات ، لكن مؤشري التوظيف في القطاع الخاص ، والتحويلات المالية للخارج من قبل غير السعوديين ، يدلان على حجم التستر المهول وسيطرته.
نتائج نشرة مسح التجارة الداخلية للربع الأول 2018 الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء مخيفة جدا جدا . فقد أظهرت أن العمالة الوافدة تسيطر على 70.5٪ من تجارة الجملة ، و على 73٪ من تجارة التجزئة ، و على 78.7٪ من إصلاح المركبات والدراجات النارية . باختصار شديد سيطرة كاملة على التجارة .
حتى الإجراءات الإصلاحية التي اتخذت منذ بداية العام الحالي من فرض رسوم العمالة وضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة وبعض رسوم الخدمات الحكومية ، حتى تلك الإجراءات كان أثرها على المستثمر السعودي الجاد أكبر من أثرها على المتستر . فقد أدت تلك الإجراءات إلى خروج أعداد كبيرة من المؤسسات المملوكة لمواطنين وتحت إدارتهم فعليا من السوق ، في حين أن المؤسسات المتستر عليها قائمة ولم تتأثر . ورغم عدم وجود إحصائيات تؤكد هذا الادعاء ؛ إلا أن المشاهد يثبت بقوة ذلك الادعاء، وأعرف من الصنفين على أرض الواقع ما يمكن الاعتماد عليه لتأكيد ذلك .
لكن لماذا فشلت كل الإجراءات في تحجيم التستر ؟؟؟
أولا أعتقد أن قصور الأنظمة التي تحارب التستر بجدية سبب رئيسي وجوهري في انتشاره وسيطرته . يأتي بعد ذلك الضعف الشديد في الرقابة ، فما تظهره ضبطيات المخالفات الهائلة للعمالة في مختلف مدن المملكة أنهم يعيشون استقرار وأمن تام، ويتحركون بحرية مطلقة . ومعظم إن لم يكن كل تلك الضبطيات نتيجة بلاغات من المواطنين، وليست نتيجة متابعة الجهات الرقابية . وفيديوهات التحديات من العمالة تؤكد هذه الحقيقة المؤلمة .
والموطن المتستر أغرته المكاسب السهلة رغم المحاذير النظامية والخطر على الاقتصاد، بل وتفاهة ما يحصل عليه نتيجة تستره أحيانا ؛ لذلك توسع بعض المواطنين في التستر حتى جعله مصدر دخله الوحيد. فليس له عمل سوى استخراج سجل تجاري وإحضار عماله للقيام بكل شيء مقابل مبلغ محدد .
أخيرا نتيجة الفترة الطويلة من الغفلة وعدم وجود الأنظمة والرقابة لمكافحة التستر تحكمت العمالة في مفاصل الاقتصاد وخصوصا القطاع التجاري ، وأصحبت المحرك له . لذلك ليس من السهل على السعودي دخول القطاع التجاري إلا ضمن إطار التستر الذي تحدده العمالة . وهذه ليست مبالغة ، ففي كل قطاع فئة من العمالة تسيطر عليه تماما جملة وتجزئة ، ولا تسمح لأحد بدخوله.
حتى قوانين فرض الموظف السعودي في منافذ البيع لعدد من القطاعات أثره محدود جدا فالموظف صغير، وليس له أثر على المستثمر الحقيقي . بل إن الموظف السعودي مجرد واجهة فقط ، وكامل التحكم في تلك القطاعات للوافد.
مشهد أخير للتوضيح ؛ محل في سوق كبير في جدة كل البائعات في المحل سعوديات ولا يوجد وافد مطلقا، بعد دخول المحل والتجول فيه وعدم قدرة البائعات على إقناع الزبون بالشراء أو عدم معرفتهم بطلباته يدخل المحل وافد ليتولى العمل مع الزبون ، ويصدر الأوامر للعاملات (بتجهم شديد) بعد أن تأكد أن الزبون ليس له علاقة بالجهات الرقابية . (حادثة حقيقية) وليست فريدة قطعا ، تظهر كيف يتحرك التستر ؟؟ وكيف يتكيف مع الأنظمة (الهشة).
لا شك لدي أن التستر السبب الأول لسيطرة العمالة الوافدة على القطاع التجاري في المملكة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال