الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حتى نفهم المشهد نحتاج إلى قراءته من البداية. وضعت الحكومة نصب أعينها هدفاً قد أعلنت عنه في شهر أبريل عام 2017م، يتمثل في توليد 3.45 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020م، و9.5 جيجاواط بحلول عام 2023م. فقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية بإنشاء خطة تنويع مصادر الطاقة، وذلك من خلال استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة التي تتضمنها «رؤية 2030» والتي تركز على التزام المملكة بمنح الأجيال القادمة مستقبلاً أفضل يعتمد على الطاقة النظيفة.
هذا كله سيكون ضمن مجموعة من مشاريع البرنامج الوطني للطاقة المتجددة (NREP) وبرنامج التحول الوطني (NTP). وبصراحة أود أن أشكر وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية على المجهود العظيم الذي بذلوه في ترتيب وإنشاء هذا البرنامج العظيم، فهو في الحقيقة قد أعادنا إلى مسارنا الصحيح بعد أن تعلقنا لفترة طويلة في برنامج سابق للطاقة المتجددة لم يقدم أي نتيجة إيجابية سوى الوعود لهذا القطاع المهم.
بدأ البرنامج عام 2017م بشكل واضح وقوي جداً، حيث سيسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للمملكة حسب «رؤية 2030» التي من أهدافها تنمية قطاع الطاقة المتجددة، ويتجلى ذلك من خلال توفير أكثر من 7 آلاف فرصة عمل، والتشجيع على الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، كما تعتبر زيادة المحتوى المحلي أحد الركائز الأساسية لتحقيق هذه الأهداف، وستسهم بإذن الله سياسات المحتوى المحلي التي سيتم دعمها من قبل الوزارة في تعزيز الصناعات والخدمات المحلية وستكون قادرة على المنافسة محلياً وعالمياً.
كان كل شيء رائع في البداية والجميع بدأ في حساب الوقت المتبقي والتطلع للمستقبل بشغف، حتى أنه بفترة قصيرة انتشر خبر البرنامج الوطني للطاقة المتجددة (NREP) على مستوى عالمي، وبسرعة وجهت الشركات الكبرى أنظارها إلى المملكة العربية السعودية رغبة في الاستثمار، وهم بلا شك على علم ويقين بأن السعودية بيئة خصبة وسليمة لمشاريع الطاقة المتجددة. لكن ما أن تبدأ المعوقات الداخلية بالنمو ستبدأ التخوفات من قبل المستثمرين ويبدأ التردد وعدم الاهتمام والجدية، والمستثمر بالتأكيد هو أساس نجاح البرنامج بجميع أجزائه.
في الحقيقة، خلال هذه الفترة اطلعت على جملة من الأحداث التي مر بها البرنامج منذ بدايته وحتى الآن، والتي يمكن القول بأن منها ما لا يصب في مصلحة البرنامج ككل. فبعد انطلاق المنتدى السعودي للاستثمار في الطاقة المتجددة عام 2017م، تم الكشف عن مشروعين كبيرين للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هما مشروع سكاكا ومديَن. تم بعد ذلك إلغاء مشروع مديَن لطاقة الرياح بقدرة 400 ميجاوات واستبداله بمشروع آخر في دومة الجندل. ثم بعد ذلك، ولتأكيد الالتزام بالخطة الرامية لتنويع مصادر الطاقة وإدخال الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة الكهربائية في المملكة، اشارت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية إلى أنه سيتم إطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة قبل نهاية عام 2017م، انسجاماً مع استهداف الوصول إلى 9.5 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2023م. وحتى الآن لم يتم ذلك !
جاء بعد ذلك في شهر مارس 2018م، صفقة السعودية التي تبلغ قيمتها 200 مليار دولار بين صندوق الاستثمارات العامة (PIF) مع شركة سوفت بانك اليابانية (SoftBank) لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم. لكن وكما ورد في صحيفة الـ Financial Times شهر أبريل 2018م، أن الاحتكاك بين وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية (MEIM) وصندوق الاستثمارات العامة (PIF)، وهما اثنتان من أقوى الجهات الحكومية في الدولة، يمكن أن يشكل خطورة تؤدي إلى التنافس الداخلي ثم إعاقة محاولة المملكة لتطوير اقتصادها في هذا القطاع. وأيضاً قال بعض المختصين من قبل وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ومؤسسات الأبحاث، وشركة أرامكو السعودية “أن خطة مشروع شركة سوفت بانك تعتبر غريبة وغير قابلة للتطبيق”.
بالرغم من هذا كله لا أجد أي مبرر للتأخير، فالدولة حفظها الله أطلقت حزمة من المشاريع الاستراتيجية التي تفوق التصور، مثل مشروع نيوم والقدية والبحر الأحمر، والتي بالفعل تخضع لقياس مؤشرات الأداء لمعرفة أين نحن؟ وكيف نسير؟ وما هو الاتجاه الذي نتجه نحوه؟ لذلك التعجيل في البنية التحتية أمر في غاية الأهمية وبالتأكيد مشاريع الطاقة المتجددة جزء من ذلك لتحريك العجلة. فلابد من الشفافية في الطرح من قبل الجهة المعنية حتى نكون أكثر جذباً للأعمال (business attraction) وللمستثمرين من الخارج وحتى لا يغلب عليهم التردد بسبب التأخير أو التداخلات، ولكي نجذب أصحاب الصناعة يجب أيضاً أن يروا طلباً حقيقياً (substantial demand). من رأيي أننا لسنا بحاجة لمزيد من الصفقات، بقدر حاجتنا إلى تسريع عمل البرامج والمبادرات الحالية حتى تتحقق الفائدة المرجوة. وكل ما نريده هو أن نرى الإنعكاسات الإيجابية على الإقتصاد السعودي وعلى قطاع الطاقة المتجددة حتى لا نعود لنقطة الصفر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال