الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهد العقد الماضي رواجًا لنظرية ذروة انتاج النفط (Peak Oil Supply) وكانت حينها حديث الساعة لدى العديد من الاقتصاديين والأكاديميين الذين اعتقدوا بأن انتاج العالم من النفط وصل أو سيصل إلى الذروة وسينخفض بعدها قسريًا بفعل نقص إمدادات النفط. في تلك الفترة، ذاع صيت ماثيو سيمنز، مؤلف كتاب الشفق في الصحراء (Twilight in the Desert)، كأحد أبرز الناقدين للمملكة والذي شَكَّك في مصداقية أرقام الاحتياط النفطي السعودي وفي طريقة إدارة أرامكو السعودية لحقولها النفطية وأيضًا في قدرة المملكة على الحفاظ على معدلات انتاجها الحالية.
استند ماثيو في ادعاءاته على أوراق بَحثيّة عن حقول نفطية سعودية تم عرضها في مؤتمرات لجمعية مهندسي البترول والتي اضطلع عليها واستنبط من خلالها، على الرغم من عدم تخصصه كمهندس بترول أو جيولوجي، على عدم كفاءة إدارة أرامكو لحقول المملكة النفطية، وأن الغوار، الذي هو أضخم حقل نفط في العالم، قد وصل إلى ذروة إنتاجه وبدأ في النضوب. لقيت الاتهامات التي روج لها ماثيو عبر سلسلة من المحاضرات والمقابلات التلفزيونية صدى كبيرًا لدى الكثيرين ولعل أخطر ما ترتب عن تلك الادعاءات هي الندوة التي عُقِدت في مركز الدراسات الاستراتيجية والأبحاث الدولية (Center for Strategic and International Studies) في واشنطن في فبراير سنة 2004.
تكمن خطورة تلك اللحظة في كون ماثيو مقربًا لصناع القرار في الإدارة الأمريكية بحكم عمله كمستشار للرئيس الأمريكي جورج بوش لشؤون الطاقة، ولأن الندوة كانت مخططًا لها أن تُعقد في أحد أهم المراكز الاستراتيجية التي تعتمد عليها الحكومة الأمريكية في تحديد توجهاتها الاقتصادية والسياسية المستقبلية على الصعيدين المحلي والدولي والأهم من هذا كله أن توقيت الندوة كان في فترة زمنية كان فيها أحداث سبتمبر وما تلاها من غزو الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان حاضرة للذهن لدى الرأي العام الأمريكية وما تلاها من تنامي ظاهرة الاسلامفوبيا.
أوفدت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية والتي كانت حينها تسمى بوزارة البترول والثروات المعدنية، اثنين من أكْفأ قياديي أرامكو السعودية لعرض الحقائق ودحض افتراءات ماثيو سيمنز، وهما نانسن ساليري، مدير إدارة المكامن النفطية، ومحمود عبد الباقي، نائب رئيس أرامكو السابق. أبدع ممثلا أرامكو في تقديم الدلائل التي تثبت مصداقية أرقام الاحتياطي وكفاءة إدارة أرامكو لحقولها النفطية وبرهنا من خلال عرضهما على أن المملكة كانت وما زالت مصدرًا آمنًا لإمدادات النفط لا غبار عليه.
من اللحظات الفارقة خلال تلك الندوة إفحام المدعي ماثيو سيمنز بسؤال بسيط من نانسن ساليري قلب بها موازين النقاش لصالح الوفد السعودي، جاء فيه: “إن كنت تؤمن بأن قراءتك لـ 200 ورقة بحثية هندسية جعلت منك خبيرًا نفطيًا، فهل تسمح لشخص ما قرأ 200 ورقة طبية عن جراحة المخ بإجراء العملية لأمك بافتراض أنها مصابة بورم في المخ؟”. سؤال أربك ماثيو تماما وأظهر ضعف موقفه وهي قصة تتطرق إليها د. أنس الحجي في مقاله: “هل اقتربت نهاية عصر النفط؟” والذي نُشِر في صحيفة الاقتصادية في مايو 2009.
يبقى السؤال إذاً مطروحا: هل اقتربت نهاية عصر النفط؟ ببساطة لا. في 2005، بلغ انتاج المملكة ما يقارب الـ 9 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام،وفي 2017، انتجت المملكة ما يقارب الـ 10 ملايين برميل يوميًا وحافظت على طاقة إنتاج فائضة تقدر بمليوني برميل يوميًا لم تقم بإنتاجها خلال تلك الفترة.
قد لا تعني هذه الاحصائيات شيئًا للمواطن العادي، بل يهمه بالمقام الأول انعكاس هذه الأرقام على المستقبل ومدى استمراريته أو بالعامية: “متى يخًلص بترولنا؟”
متى يخلًص بترولنا؟ سؤالٌ ذو شجون بالنسبة لي كمهندس يعمل في الصناعة النفطية ويجنى من خيرات النفط، ولأب يخطط لمستقبل عائلته ولمواطن يهمه الحفاظ على خيرات الوطن.
قد يبدو السؤال بسيطاً للوهلة الأولى، لكن الإجابة عليه ليست بالسهولة التي يتخيلها السائل. فمنذ بداية عصر الصناعة النفطية وحتى وقتنا الراهن، حاول الكثير من الاقتصاديين والأكاديميين التنبؤ بانتهاء عصر النفط أو بالمرحلة التي سيصل فيها إلى ذروة الإنتاج لكنهم أخفقوا جميعًا على الرغم من الأبحاث والنظريات والنماذج الاقتصادية التي طوًروها لاستشراف المستقبل ومع هذا مازال العالم في حيرة.
كان للتركيز على النفط كسلعة أولية دون فهم شامل لدوره المحوري في حياة البشرية وتداخل علاقاته وأنماط استغلاله والتركيز على جوانب معينة وإغفال جوانب أخرى إما تقصيرًا أو عمدًا كما جرى مع ماثيو سيمنز وغيره سببًا رئيسيُا في إخفاق توقعاتهم.
في سعيي للإجابة عن هذا السؤال، سأتبنى في هذه سلسلة مقالات طرحًا علميًا مبسطًا مع ضمان الحيادية والشمولية قدر الإمكان. سأتحدث عن أهم الجوانب التي تتعلق بنشأة النفط في المملكة ومقدار ما لدينا الآن وما قد نملك في المستقبل، وما ننتجه الآن وما سننتجه على المدى البعيد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال