الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يلفت انتباهي في كل مناسبة احتفالية كاليوم الوطني والأعياد استعانة الجهات المنظمة بفرق من الخارج للقيام بألعاب وحركات تتسم بالجمال والإثارة والخطورة في نفس الوقت لإمتاع الجمهور . وفي كل مرة أشاهد تلك الفرق أتسآءل ألم يحن الوقت ليصبح لدينا مثل هذه الفرق ونحن الذين نملك من المواهب الرائعة الكثير .
الاقتصاد المعتمد على المواهب ضخم جدا ، ولا يقتصر على المهارات الاستعراضية الخطيرة والترفيهية ، بل مجاله واسع جدا يشمل كل جوانب الحياة .
بشكل عام تفتقد المواهب السعودية للرعاية والاهتمام والاستفادة الكاملةمنها ، لكن بعض المواهب أكثر ضياعا من غيرها . لن أتحدث عن المواهب الاستعراضية الخطيرة التي يُستقدم ممارسوها من كل أنحاء العالم لإحياء احتفالاتنا بينما يتم محاربتها في الداخل ، فرعايتها مرحلة متقدمة جدا جدا . لكن المواهب التي يعتقد البعض أنها تلقى الرعاية والاهتمام بينما الواقع غير ذلك . كالمواهب العلمية والرياضية والإدارية والفنية وغيرها .
تمر صناعة الموهبة بثلاث مراحل حتى تصبح رافدا اقتصاديا مهما ؛ البداية التي نكاد نفتقدها تماما باستثناء الموهبة المعرفية العلمية التي تهتم لها نوعا ما وزارة التعليم ، تلك هي مرحلة الاكتشاف . فمعظم المواهب تموت في هذه المرحلة (الجنين) ، بل أفضل المواهب تموت في تلك المرحلة . وباستثناء الأسلوب العقيم لكشف المواهب العلمية من خلال اختبارات قياس ، لا توجد أي وسيلة لكشف بقية المواهب ، ولا مجالات حقيقية لكشفها ، سوى الشوارع للمواهب الكروية .
يأتي بعد ذلك مرحلة رعاية المواهب المكتشفة ؛ من خلال تهيئة الأماكن المجهزة بكافة الوسائل التي تحتاجها ، وإعداد البرامج المناسبة ذات الجودة العالية بما يتوافق مع كل موهبة واحتياجها . وفي هذه المرحلة لابأس أن تكون تلك الرعاية بمقابل مادي ، وعن طريق جهات استثمارية خاصة . بشرط الجودة والكفاية للموهبة بحيث تصبح قادرة على الاستفادة من موهبتها .
والواقع أن هذه المرحلة معدومة تماما ، حتى في جانب كرة القدم التي تمتلك أكبر قاعدة بنية تحتية في المملكة من أي قطاع أخر . ومحاولات الأندية البسيطة لم تحقق النتائج المأمولة منها ، لعدم الجدية في الرعاية التي تظهر في ضعف الإنفاق على الأكاديميات والناشئين وعدم الاهتمام بها ، ولاستعجال النتائج وقتل المواهب قبل نضوجها . أما بقية المواهب في جميع المجالات الأخرى فلا يوجد ما يستحق الذكر من الأماكن والتجهيزات ، حتى ما تقوم به وزارة التعليم مع المواهب العلمية لا يعدو بعض الشكليات والبرامج البسيطة جدا التي يمكن تقديمها في أي فصل دراسي .
المرحلة الثالثة والأخيرة ؛ هي مرحلة الاستفادة من المواهب بعد صقلها . وهذه تتم على مستويين مؤسسي وفردي؛ فالمؤسسي أن توجد مؤسسات تستفيد من تلك المواهب كالأندية الرياضية، والشركات والمؤسسات الحكومية . والفردي ؛ أن تعمل الموهبة بذاتها وتستفيد بشكل فردي من موهبتها .
وفي هذه المرحلة ينفق الكثير والكثير جدا على كافة المستويات ، مليارات الريالات تنفقها الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع للاستفادة والاستمتاع بالمواهب. لكن نصيب المواهب السعودية منها قليل جدا ، بل أقل القليل؛ إما لعدم وجودها أو لضعفها نتيجة لضعف تأسيسها في المرحلين السابقتين .
الجهات المسؤولة عن الاستثمار في المواهب متعددة كل في اختصاصه، لكن وزارة التعليم تتحمل المسؤولية الكبرى لأنها تتعامل مع جميع المواهب في مراحلها الأولى. وللأسف الشديد أن الوزارة لا تملك أي خطط ولا برامج ولا وسائل ذات قيمة لرعاية المواهب في جميع المجالات، حتى تلك التي تنفق عليها الملايين سنويا (المواهب العلمية) . أقول ذلك عن معرفة تامة .
وقد سمعنا بتوقيع بعض الشراكات بين الوزارة والهيئة العامة للرياضة وجهات أخرى لرعاية المواهب ، قديما وحديثا . لكن لم نرى على أرض الواقع أي من تلك الاتفاقيات . ومازالت المواهب السعودية تهمل وتموت ، وينفق المليارات سنويا على استقدام أنصاف وأرباع المواهب في مختلف المجالات .
وفي نقاشاتي الكثيرة مع بعض القيادات التعليمية تأكدت أن هذا المعني العميق للموهبة غائب عنهم تماما، حتى أولئك الذين يديرون ما يسمى باقتصاديات التعليم ، واقتصاد المعرفة . ولا أظن بينهم المتخصص .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال