الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تدرك الحكومة مشكلة البطالة وعمقها وخطرها ، وتدرك تماما الحلول التي يجب اتخاذها لمواجهة تلك المشكلة، وقد ظهر جليا من كلام معالي وزير العمل في برنامج (في الصورة) وضوح المشكلة لدى الوزارة ، بكل تفاصيلها وأبعادها . وتضمنت رؤية 2030 أهم حلول البطالة ، لكن لا بأس أن نذكر تلك الحلول مرتبة حسب أولويتها في سرعة التأثير على معدل البطالة .
الإحلال هو الحل الأساسي الذي يفترض أن يتم البدء به ، وهو ما تحاول أن تفرضه الحكومة من خلال قصر بعض المهن والمناصب على السعوديين . لكن ضعف الأجور الإشكالية الرئيسية التي تجعل ذلك الحل غير مجدي في كثير من المؤسسات والشركات ، وما لم يتم حل هذه الإشكالية سيظل الإحلال ضعيفا في تسريع التوطين فلا الموظف السعودي سيقبل، ولا المستثمر سيترك العامل الأجنبي الرخيص. وهنا لا أتحدث عن دعم الأجور من صندوق الموارد ، بل إصلاح جذري للأجور في القطاع الخاص وتحديدا الوظائف الدنيا ، فأقل من 5 آلاف ريال يعد تحت خط الفقر .
ولكي يتم الإحلال بصورة سليمة وعادلة لسوق العمل والقطاع الخاص وبما يخدم الاقتصاد ، يجب التخلص من العمالة المتدنية المهارة أولا على جميع المستويات ، وقد ذكر ذلك وزير العمل في مقابلته الأخيرة (في الصورة) . والأهم تقنين الاستقدام لضمان جودة العمالة الجديدة التي ستدخل سوق العمل السعودي ، فالمؤسف أن سوق عملنا أصبح مكبا للمتردية والنطيحة في جميع المهن والتخصصات وعلى كافة المستويات . حتى الأطباء والمهندسين لم يعد يأتينا إلا أقلهم تعليما ومهارة وخبرة ، والمضحك أنهم بعد اكتساب الخبرة يتركوننا لدول مجاورة أو للغرب بسبب ضعف الأجور وطبيعة العمل .
دعم القوة الشرائية للمواطن من خلال تخفيف الأعباء المالية عنه والمتمثلة في الضرائب والرسوم وأسعار الطاقة ، ومن خلال الإبقاء على الدعم الشهري لجميع موظفي الدولة ، والانتظام في العلاوة السنوية . فتحسن القوة الشرائية للمواطن يعني رواج اقتصادي وتحسن في دخول الشركات والمؤسسات، وهذا يسمح للقطاع الخاص بالتوسع في التوظيف من جانب ، وتحسين الأجور من جانب أخر .
وللإسراع بعملية الإحلال أرى أنه لابد من إنشاء شركات عملاقة للقطاعات الكبيرة لتتولى عمليات تشغيلها وتدريب الشباب وتوظيفهم . كما فعلت ارامكوا في قطاع النفط ، وسابك في قطاع البتروكيماويات . نحن بحاجة لمثلهما في قطاعات التشييد والبناء ، وصيانة المركبات والدراجات ، وقطاع النقل ، وقطاع بيع الجملة والتجزئة ، وجميع القطاعات الأخرى . فمن خلال تلك الشركات يمكن للشباب السعودي العمل في تلك القطاعات ، وقد فصلت في مقال سابق كيف يتم ذلك ؟ ولماذا ؟ تلك الشركات إن تم إنشاءها ستكون محفزا قويا للشباب السعودي لدخول قطاعات لا يرغب فيها كصيانة المركبات.
لكن الحل الجذري يبدأ من التعليم ، فالتعليم السعودي الأساسي والجامعي يعاني من مشاكل جذرية تؤثر بشكل مباشر على سوق العمل . أولا الضعف الشديد في المخرجات نتيجة ضعف التأسيس أولا ، ثم ضعف مخرجات كثير من الجامعات السعودية بل معظمهما . فهل يتصور مثلا أن يتم تدريس البرمجة في إحدى الجامعات السعودية باللغة العربية ؟؟؟!!! ومن إشكاليات التعليم مع سوق العمل أنه متأخر جدا عن التطور الكبير الذي يشهده العالم ، فمازالت الجامعات تعتمد مناهج ومواضيع لم يعد لها قيمة وتجاوزها العالم منذ زمن. لكن مشكلة المشاكل أن معظم خريجي الجامعات السعودية من تخصصات لا حاجة لسوق العمل بها ، فهذه المشكلة هدر من كل الجوانب ، ويجب تقنين تلك التخصصات وخفض مخرجاتها لأدنى حد ممكن .
وحتى يتم إصلاح سوق العمل نهائيا لابد من إصلاح مخرجات التعليم من حيث نوع المخرجات والتخصصات التي يحتاجها الوطن حسب رؤية 2030 والتخصصات الضرورية ، من حيث الجودة والكفاءة في تلك المخرجات ، ومن حيث التنوع في التخصصات حسب الحاجة بحيث لا تطغى تخصصات على أخرى .
لذلك من الضروري جدا أن تصدر وزارتي الخدمة المدنية والعمل نشرات سنوية لواقع سوق العمل من حيث التخصصات الأكثر والأقل طلبا والأجور والتوقعات المستقبلية .
أخيرا يجب تقوية القطاع الخاص وجعله قادرا على العمل والنمو والتوظيف بمعزل عن الإنفاق والدعم الحكومي ، ولكي يتم ذلك يجب التحول للصناعات الكبيرة كالسيارات ، والأجهزة الالكترونية ، والبتروكيماويات التي قطعت المملكة فيها شوطا كبيرا ، وغيرها . فتلك الصناعات ستكون الموظف الأول في مختلف التخصصات ، وبدونها سيظل القطاع الخاص هشا ضعيفا معتمدا على الدعم الحكومي بشكل مباشر وغير مباشر . نيوم والبحر الأحمر والقدية داعم قوي للاقتصاد السعودي ، لكنها لن تكون بديلا عن الصناعات الكبيرة . ويجب تفعيل المدن الصناعية في مختلف مدن المملكة ، والاستفادة من المزايا النسبية لكل منطقة للتخصص في صناعات معينة .
لا بديل عن الاقتصاد الإنتاجي المعتمد على الصناعات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال