الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في شمال كولومبيا عام 2003 قام ثوار جيش التحرير الوطني الكولومبي بخطف سائحة المانية تدعى راينهت فيجل وستة من أصدقائها. راينهت كانت تمارس ما يسمى بسياحة “حقيبة الظهر”، وهي أن تكتشف آفاق جديدة ومناطق غير مأهولة حاملة معها أخف المتاع في حقيبة ظهر لا أكثر. هبت الحكومة الألمانية لمساعدة مواطنتها ودخلت وزارة الخارجية الألمانية في مفاوضات استمرت أكثر من سبعين يوما مع الخاطفين تكللت بالنجاح. فور إطلاق سراح راينهت تم نقلها فوراً بطائرة هليكوبتر من الأحراش حيث تم احتجازها الى مدينة بوجوتا والتي عادت منها الى المانيا.
بعد حوالي السنة فتحت راينهت صندوق بريدها لتجد فاتورة من وزارة الخارجية الألمانية تطالبها بدفع 12.640 يورو، وهي تكاليف عملية انقاذها. صعقت راينهت ورفعت قضية ضد وزارة الخارجية تقول فيها أن من حقها كمواطنة ألمانية أن تحظى برعاية الحكومة التي وضعت لخدمتها، وردت وزارة الخارجية الألمانية بأنه على الرغم من حق المواطنة في الحصول على مساعدة حكومتها لكن من واجب المواطنة أيضا، بما أنها هي التي تجاهلت التحذيرات وعرضت نفسها لهذا الخطر، أن ترد تكاليف هذه المساعدة لميزانية وزارة الخارجية لأن الميزانية وضعت لخدمة كل المواطنين. حكمت المحكمة لصالح وزارة الخارجية الألمانية بأن تسترد الوزارة ما أنفقته وتدفع راينهت الفاتورة المرسلة لها.
في بداية كل عام مالي يواجه كل مسؤول تحدياً مؤلماً، وهو أن يحصل على موارد محدودة ليلبي بها متطلبات غير محدودة، وبناء على ذلك يتخذ المسؤول قرارات حول ماذا سيعطي ومن سيعطي ومن سيحرم، قرارات يجب أن يتعايش ضميره معها للأبد. من هذه القرارات مثلا: هل ينفق بنود الميزانية على تحسين خدمة الإنقاذ وتوفير مميزات وظيفية أفضل لأبطال الإنقاذ وتقليص وقت تلبية النداء للمواطنين، أم ينفقها على تكاليف انقاذ بضعة أشخاص بح صوت المسؤول وهو ينصحهم ويوجههم ويعلمهم ويوعيهم ويناشدهم بأن يبتعدوا عن بطون الأودية ومجاري السيول خلال أوقات الأمطار. والأصعب على المسؤول وما يجعل التكلفة لا تقدر بثمن هو عندما يضطر أن يبلغ أسرة المنقذ أن عليهم أن يكملوا حياتهم أيتاماً وثكالى لأن أباهم خسر حياته لإنقاذ حياة بضعة مغامرين سينسون ما حدث خلال يومين.
المغامر الذي اختار تجاهل ثلاثين عاماً من حملات التوعية بأضرار التدخين وأصيب بسرطان الرئة يسحب من ميزانية حكومته ما يقارب المائة ألف ريال شهريا، حارماً المسؤول من إنفاق هذا المبلغ على تدريب خمسة أطباء امتياز سيقومون بعلاج الآلاف من المواطنين. رغم أن أطباء الامتياز قضوا عمرهم في العمل الجاد ليبنوا مستقبلاً مهنياً مثمراً، ورغم أن المواطنين قضوا عمرهم في بناء عائلاتهم ووطنهم، والمدخن قضى عمره مغامراً لأجل “الخرمة”.
لا أستطيع الإجابة عن المسؤول، لكني أستطيع القول بكل ثقة أنني لا أرغب في تدني مستوى الخدمات المقدمة لي كمواطن لتغطية تكاليف فتيان المغامرات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال