الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تسيطر الدول الأعضاء في أوبك والتي يبلغ عددها حاليًا 15 دولة على 82% من احتياطات العالم من النفط الخام، وعلى 44% من الإنتاج العالمي من النفط. بسبب هذا الكم الهائل من الموارد النفطية وتأثيرها القوي على سوق النفط، تباينت الآراء حول كونها منظمة مهيمنة من عدمه، فالبعض يرى وجودها امتدادًا لسابقاتها من التكتلات الاحتكارية وآخرون يرون استمرارها خطرًا على الاقتصاد العالمي، داعين إلى ضرورة خضوع النفط “كسلعة أولية” لآليات العرض والطلب دون تدخل.
لم تكن أوبك الأولى تاريخيًا في تنظيم أسعار النفط أو معدلات انتاجه حيث سبقتها ستاندرد أويل وأعضاء اتفاقية أكناكاري والأخوات السبع وغيرهم، لكنها ليست امتدادًا طبيعيًا للتكتلات السابق ذكرها، إذ تمتاز بعدة عوامل تنافسية وأهداف نبيلة عن سابقاتها أهمها:
– الشفافية: حيث أن جميع اتفاقيات المنظمة وإجراءات التنسيق فيما بينها معلنة للجميع، على النقيض مما قامت بها التكتلات السابقة خصوصًا ما تم خلال اتفاقية أكناكاري.
– الاستمرارية: لم تدم التكتلات السابقة طويلًا حيث سرعان ما انهارت في حين أن أوبك ما زالت قائمة حتى اليوم.
– التوسع: نشأت المنظمة بسبب تحالف من 5 دول أعضاء وهي حاليًا تضم 15 عضوًا وما زالت المفاوضات قائمة لضم أعضاء جدد لها.
– خصوصية الأهداف التي أنشئت من أجلها: على عكس ما قامت به التكتلات السابقة والتي كانت تهدف إلى تعظيم أرباحها ولو على حساب المستهلكين أو مُلاك الموارد النفطية. إلا أن أوبك، ومنذ تأسيسها، قامت بترسيخ سيادة كل دولة عضو على مواردها النفطية وضمان التنسيق في اختيار معدلات الإنتاج وآلية أسعار النفط بما يخدم مصلحة الأعضاء مجتمعين والمستهلك النهائي وتحولت في العقود الثلاثة الأخيرة إلى نموذج فريد من نوعه سأتطرق إليه لاحقًا.
للأسف، بعض وسائل الإعلام تتغاضى عن هذه المعطيات، بل وتتحين الفرصة وراء الفرصة لنعت المنظمة بالكارتل والانتقاص منها عن طريق كتاباتهم كحالموريس أدلمان أو عبر الرسوم الكاريكاتيرية والتقارير الإعلامية.
لتفنيد مزاعم الاعلام الغربي، لا بد أن ننطلق من أسس ومعايير واضحة تمكننا من فهم سلوك المنظمة ودورها العالمي في تنظيم وإدارة السوق. وفي هذا الجزء، سأتناول تعريف الكارتل والمعايير التي يستند عليها وربطها بالعوامل التنافسية التي أشرت إليها في المقدمة. في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسة سأقوم بقياس هذه المعايير على قرارات أوبك، مع تسليط الضوء على ظروف السوق النفطية منذ تاريخ تأسيس المنظمة وحتى وقتنا الحاضر.
ما هو الكارتل Cartel؟
الكارتل هو تجمع منتجين مستقلين لسلعة معينة أو مزودي خدمات، في إطارٍ تنسيقي بهدف تضخيم أرباحهم عبر وضع حد أدنى للأسعار أو من خلال خفض الإنتاج قسرًا لرفع الطلب أو منع منافسين خارج هذا التجمع من دخول أسواق يتحكمون بها. كل ما سبق يتم عادة بسرية بعيدًا عن أعين الرقابة وقوانين الاحتكار المحلية (إن وجدت) أو الدولية. من الأمثلة على الكارتل: تكتل البنوك السويسرية والأخوات السبع وتجار المخدرات في أمريكا الجنوبية.
يخلط البعض بين تعريف الكارتل Cartel واحتكار القلة الغير تنسيقي Oligopoly. على الرغم من أوجه الشبه بين الإثنين، فكلاهما يقوم على مبدأ احتكار مجموعة مستقلة لسلعة أو منتج معين، إلا أن هنالك اختلافًا جوهريًا بينهما. في حالة احتكار لقلة الغير تنسيقي تخضع كل المنتجات لآلية العرض والطلب، بمعنى آخر، لايتم تحديد سقف للأسعار أو معدلات الإنتاج خارج إطار هذه الآلية. الأمثلة كثيرة لعل أبرزها شركات الإنتاج السينمائي الأمريكية الست في هوليوود المهيمنة على الصناعة السينمائية العالمية، وشركات الطيران كبوينج وإيرباص اللتان تهيمنان على صناعة الطيران المدني “دون تدخل أو تنسيق مسبق فيما بينهم سواء في العلن أم السر”.
هل أوبك هي احتكار قلة غير تنسيقي Oligopoly أم كارتل Cartel ؟
بناء على التعريفين السابقين، بإمكاننا استبعاد خيار “اتحاد القلة الغير تنسيقي” كون أن قرارات أوبك تتم بالتنسيق بين أعضائها ومنتجين خارجها. بالنسبة لخيار الكارتل، فإن الانطباع الأولي بناء على التعريف السابق هو أن أوبك هي أقرب إلى الكارتل كونها استوفت “معظم” المعايير المنصوصة في التعريف. لكن في الحقيقة، أوبك ليست أحد الخيارين بل نموذج اقتصادي جديد لم يسبق للعالم التعامل معه لعدة أسباب أهمها:
الأول هو أن التعاريف السابقة تمت صياغتها من قبل اقتصاديين بناء على النظام الاقتصادي الغربي (توصيف نظرية التنظيم الصناعي) وعلى تعاطيهم مع النفط كغيره من السلع أو الخدمات كمادة أولية، في حين أن النفط أكبر من ذلك بكثير، فهو نعمة ربانية كانت ولاتزال السبب الرئيسي للنهضة الصناعية و التكنولوجية التي نعيشها اليوم. فالمصطلحات شائعة التداول كالمرض الهولندي Dutch Disease وتخمة المعروض Oil Glut وغيرها انطلقت من فهم غربي للنفط وانعكاسه على اقتصاد دولها ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شاملة ومحايدة، لأنه ببساطة يتجاهل الأثر على الدول المصدرة أو الدول النامية المستفيدة منه.
في المقام الثاني قمت عمدًا بحصر الخيارات في تعريفين، وهذا دَيْدَن الكثير من الباحثين والاقتصاديين الغربيين في تحييد الكثير من الخيارات وحصرها في اثنين أحلاهما مر، لكننا سنرى لاحقًا أن أوبك ودورها الحالي لا يجعلها في نطاق الخيارين السابقين.
وأخيراً لا بد أن نفهم تاريخ المنظمة منذ نشأتها والظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها قبل التبرير أو الاتهام، لنكتشف أن المنظمة تطورت تدريجيًا تتحول إلى منظومة لم يشهدها العالم من قبل. وبهذه الجزئية أختم الجزء الأخير من هذه السلسلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال