الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اليوم نحن نعيش في عصر “القوة الذكية” وهي محصلة التكامل بين القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية أى القوة الصلبة وبين القدرة على التأثير من خلال وسائل الجذب والاقناع المتنوعة أى القوة الناعمة»، وبهذه القوة الذكية يمكن مواجهة التحديات الكونية المعقدة المتزايدة. فلا القوة بمعناه الخشن فقط باتت تجدي. ولا بمعناها الناعم وحده تكفي، وتعتمد القوة الذكية على «احداث التقدم» بالتوظيف الأمثل للقوتين الخشنة والناعمة، فى ضوء استراتيجيات منطقية تتناسب مع هاتين القوتين. وحول كيفية بناء استراتيجية مثلى لتطبيق القوة الذكية يشير ناى إلى خمسة متطلبات كما يلي:
أولا: تحديد المصالح الوطنية العليا.
ثانيا: حصر الموارد الذاتية المتوافرة: المادية والمعنوية. ودراسة كيفية تعاظمها. واستخدامها وتعويضها فى ضوء الاستخدام فى الواقع.
ثالثا: الربط الدقيق بين الموارد والأفضليات وتحقيق المصالح الوطنية.
رابعا: الاختيار الأمثل لنوع القوة وكيفية ممارستها لتحقيق المصالح الوطنية المتنوعة. ويمكن التنوع بين الممارسات والسياسات المختلفة او الجمع بينها.
خامسا: توافر وجود مجموعة عقول تعمل على ممارسة عملية تقييم دائم للقوة الذكية، بلغة أخري، تعنى القوة الذكية كيف يمكن الاستمرار فى امتلاك «سر الاختراع»، والاحتفاظ بالمبادرة، وتهيئة المناخ لديمومة الإبداع. وأهمية إدراك أن انطلاق هذه القوة يحتاج إلى قاعدة متينة من القدرة الحمائية والوقائية من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة تطوير البنية التحتية للتعليم والصحة والثقافة والإعلام وللنموذج التنموى بكل أبعاده وتفاصيله. والأهم بنية ديمقراطية تشاركية مواطنية…
التسامح كما ورد في المادة الأولى من الإعلان بشأن مبادئ التسامح التي تم إعتمادها من قبل المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنه والعشرين، باريس، عام 1995، هو القبول والإحترام والعمل على تقدير التنوع الثقافي، وكذلك لأنماط التعبير والسمات الإنسانية لدينا، وذلك التسامح يتعزز بالإنفتاح بالمعرفة والإتصال وحرية الفكر والمعتقد والضمير، وأنه هو التوافق في نحو الإختلاف، وهذا ليس واجباًً أخلاقياً فقط، وإنما هو أيضاً واجب سياسي وقانوني فالتسامح هو الفضيلة التي تعمل على تسيير وجود السلام ويساعد على أن تحل ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، بالإضافة إلى أن ممارسة التسامح لا تتعارض مع إحترام حقوق الإنسان، وبذلك هي لا تعني تقبل الفرد للظلم الإجتماعي أو أن يتخلى عن معتقداته أو يتهاون بشأنها بل هي تعني حرية المرء في التمسك بما لديه من معتقدات وكذلك قبوله بأن يتمسك الآخرون أيضاً بمعتقداتهم، فما يعنيه التسامح هو الإقرار بأن البشر الذين هم بطبعهم مختلفين في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وكذلك قيمهم لهم الحق في أن يتعايشون في سلام تام وليس من الواجب فرض آراء الفرد على غيره.
لقد شّكلت دولة الإمارات حالة فريدة في العالم العربي في التنمية والاستقرار والتسامح والتعايش، وتبنت استراتيجية لبناء القوة تشكل نموذجاً للدول الساعية للتأثير الإيجابي في النظام الدولي، وتوفير القدرة والآليات اللازمة للتكيّف مع التحولات الدولية والإقليمية، دولة الإمارات انتقلت من مرحلة اعتبار التسامح مجرد قيمة إنسانية إلى مرحلة جديدة تمثلت في “حوكمة التسامح” عبر إنشاء مؤسسات تعنى بهذا الجانب، مثل وزارة التسامح والمعهد الدولي للتسامح، سعت القمة العالمية للتسامح في دورتها الأولى برعاية كريمة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي وبإهتمام ودعم الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح ورئيس مجلس الأمناء للمعهد العالمي للتسامح إلى سبر أغوار التحولات الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الدولية والإقليمية، وتقديم تجربة الإمارات في بناء القوة الناعمة وتوظيف القوة الذكية بوصفها نموذجاً في بناء القوةـ واستقراء تغير مفهوم القوة وتوزيعها دولياً وإقليمياً.
ولبناء “اقتصاديات التسامح” وتعزيز البيئة الإستثمارية الجاذبة للإستثمارات المحلية والأجنبية، علينا أن نضع الاستراتيجيات والبنية الإجتماعية والفكرية لبناء قيم التسامح والتعايش، والحوار، واحترام التعددية الثقافية، وقبول الآخر من جهة، ونبذ كل أشكال التطرف، والكراهية، والعنف، والتعصبية، والازدراء، والتمييز من جهة أخرى، لكن هذا وحده لا يكفي، بل علينا أيضاً أن نربي أجيالنا القادمة على هذه القيم، وأن نجعل من مدارسنا مكاناً للتعايش والسلم، ومن مناهجنا قوانين تنظيمية لاحترام الآخر، ومن وسائل تربيتنا نبذاً للتعصب والكراهية، ومن تعاملاتنا في الأسواق لغةً للحوار والاحترام المتبادل، وهذا يعني أن يتم التسامح في الفكر والثقافه دون النهوض إلى أن يصبح التفكير العلمي والنقدي هو الأداة المحركة للعقل العربي أثناء مناقشة ومعالجة القضايا وهذا ما يستلزم التطوير بالمناهج الدراسية في الجامعات والمدارس وذلك بالبعد عن أسلوب تلقين المعلومات والعمل على تدريب الطلبة خلال جميع المستويات على العمل على التفكير النقدي وكذلك مناقشة ما يستضيفونه من معلومات بأسلوب علمي.
من الأمور التي تفرض نفسها اليوم أنه لابد من العمل على ايجاد حلول علمية لإدراج التسامح كمفهوم وجداني وقيمة معنوية تحت مظلة الحوكمة، وتنظيم علاقة التسامح بالإجراءات الحكومية، فمبادئ وقيم التسامح والتعايش السلمي تمثل أساساَ قوياَ في مسيرة الخير والنماء في كافة المجالات للقطاعين العام والخاص التي تحتوي على أبعاد مختلفة كالتنوع الثقافي والعرقي والنوع وتحقيق التوازن بين الجنسين وتنويع القاعدة العمرية، لذلك لابد من الوصول إلى بيئة عمل تحقق قيم التسامح الوظيفي، خصوصاً بين القادة وفرق العمل، فثقافة التسامح لها تأثير كبير ملموس على الإنتاجية عوضاً عن ثقافة الخوف.
هناك تحديات تواجه ادارة التنوع في بيئة الأعمال، ومع تباين وجهات النظر حول التنوع في المنظمات بين من يرون أنها مصدرًا للميزة التنافسية وآخرون يرون أنها مصدرًا للصراعات الداخلية إلا أن الجميع يدرك أهمية إدارة هذا التنوع كواقعٍ مفروض على المنظمات حاليًا. وأمام هذا التنوع لا بد أن تكون هناك إستراتيجيات على مستوى الأفراد والمنظمات يستطيع من خلالها الجميع التكيف مع التنوع وتحقيق الميزات التي يوفرها، لذا من الضروري على المؤسسات غرس قيم التسامح بين موظفيها، كما أن الإتصالات المؤسسية والعلاقات العامة داخل الشركات لها دور مهم في تعزيز الصورة الذهنية داخل الشركات وخارجها وهي القيمة الغير ملموسة والتي تحقق الإنتماء المؤسسي، كما إن التحول الرقمي والتكنولوجيا من الضروريات لكافة المؤسسات والهيئات التي تسعى إلى التطوير وتحسين الخدمات المقدمة ورفع الكفاءة، كما أن على المؤسسات أن تتحول إلى حواضن إبداعية تنشر التسامح إن عملية إنقاذ الفرد والمجتمع والشركات والدولة من تدمير القيم الأصيلة عبر الوسائط الإعلامية الجديدة، تتطلب أن يكون الشباب هو منصة الانطلاق فى تلك المواجهة، وتعزيز ثقافته العامة والتقنية، وتشجيع التوجه لديهم إلى الكليات العملية لينعكس على مخرجاتهم المهنية، ورفع مستويات الخطاب الثقافى للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية ليكون لها الدور الحاضن للشباب، وتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع، وذلك لأن ثقافة المستخدم هى السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر الاستخدام السلبى.
حقيقة إن المملكة لها تاريخ كبير في هذا المجال، فالعالم بأكمله ينظر إلى السعودية، على أنها بلد التسامح والسلام في المنطقة، من خلال مبادئها التي لا تحيد عنها، وثوابتها التي لا تتغير، فضلاً عن قيادتها للعالم العربي والإسلامي، والدفاع عن الإسلام بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات، يؤمن قادة المملكة بأن الإسلام كديانة، يحض على التراحم بين جميع البشر، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وثقافاتهم، كما تؤمن بأنه بالإمكان التعايش السلمي الآمن بين معتقدي جميع الديانات، مهما كان حجم الاختلافات بينها، سواء في المعتقدات أو التفكير أو المبادئ، ومن هنا، حرص ولاة الأمر، كما جاء في صفحات التاريخ الحديث للمملكة، على نشر ثقافة التسامح والسلام في ربوع المنطقة، والتدخل المباشر لحل الخلافات بين الدول والجماعات المتناحرة، ساعدها على ذلك أنها دولة محورية، تتمتع بثقل ديني واقتصادي وسياسي مهم في المنطقة والعالم، ويحظى قادتها على مرّ التاريخ بكل التقدير والاحترام من الجميع.
ويؤكد التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط أن المملكة من خلال علاقاتها الخارجية بالدول الشقيقة والصديقة، فهي محبة للسلام، وتدعو إليه، وتنبذ العنف والإرهاب، وتعمل على تعزيز الانفتاح على الآخر، وترسّخ مبادئ الحوار بين أصحاب الثقافات المختلفة، في توادّ ومحبة. ولذلك ليس غريباً، أن يتم اختيار السعودية بلداً للسلام والتسامح في العالم، وذلك على هامش مؤتمر السلام العالمي في العالم، الذي أقيم على أرض المملكة المغربية في 2016. ويشهد العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حقبة تاريخية جديدة، تتصف بالانفتاح والتسامح على الآخر؛ انطلاقاً من الفهم الصحيح لمعاني الدين الحنيف، وتحظى هذه الحقبة بدعم مباشر من سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي أعلن أن المملكة تتبع الوسطية في كل أمورها، وأنها ترفض التشدد والتطرف وتحاربهما؛ دفاعاً عن الدين الإسلامي وعن المسلمين.
وأكد سمو ولي العهد، في حوارات سابقة أن “الإسلام” يعني “السلام”، في إشارة إلى أن المملكة، باعتبارها أكبر دولة مسلمة وهي مهبط الوحي، فهي داعية إلى السلام، ومنفتحة على الديانات والثقافات الأخرى، وترحب بالحوار بينها؛ لترسيخ التآلف والمحبة والتسامح بين أفرادها، وأن دولة هذه صفاتها في التعامل النبيل مع الشعوب الأخرى، من المستحيل أن تدعم التشدد بأي شكل من الأشكال، وجدد ولي العهد التأكيد على أن المملكة دولة إسلامية كبرى، حاضنة لأفراد المذهبين السني والشيعي، الذين يعيشون على تراب هذه البلاد في تآخٍ وتراحم وودّ.
وتشير تصريحات ولي العهد للمجلة ذاتها إلى أن المملكة بعيدة كل البعد عن التشدد، وإلا لما اتبعت آراء المذاهب الفقهية الأربعة “الحنبلية، الحنفية، الشافعية، والمالكية”؛ للتخفيف على المسلمين في أمور دينهم ودنياهم، المملكة تعمل على نشر صفة التسامح في المنطقة والعالم، ونبذ كل الأعمال التي تعزز الكراهية. وتحدثت الشبكة عن الإجراءات التي اتخذتها الرياض في محاولة للقضاء على خطابات الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت إن المملكة تنتقد بشكل رئيسي التعصب والكراهية العقائدية، والتي لا تمتّ بعلاقة للإسلام وسماحته المعروفة، وتنبذ أي إهانة لكل الأديان السماوية ومعتنقيها في شتى أنحاء العالم، وموسم الحج من كل عام يمثل ثقافة التعايش، وحضارة التواصل، ونبذ الفرقة، والنأي بالدين عن محاولات تسييسه وأدلجته، وجره إلى محاضن الكراهية، وبث ثقافة إقصائية تضعف عرى العدل والتسامح وقبول الآخر.
كما ذكر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: “لم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب.. 70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم”. وقال أيضا: “اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه”.
كل هذا، يأتي بعد إنشاء مركز “اعتدال” العالمي لمكافحة التطرف الذي كان ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، حيث قامت على تأسيسه عدد من الدول، واختارت الرياض مقراً له ليكون مرجعاً رئيسيا في مكافحة الفكر المتطرف، من خلال رصده وتحليله؛ للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال. متكئا على ركائز أساسية ثلاث وهي مكافحة التطرّف وبأحدث الطرق والوسائل فكريا وإعلاميا ورقميا.. حيث يطور المركز تقنيات مبتكرة يمكنها رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية.
لكن ما الذي يميز المملكة في قيادة هذا النوع من التسامح؟ الجواب بكل بساطة هو أن المملكة العربية السعودية وكقائدة للعالم الإسلامي تمثل النموذج الغالب الذي يعتد به مليار ونصف مسلم في تعاملهم مع الآخرين من خلال تأثير المملكة الزماني والمكاني، “السعودية الجديدة” لن تقبل بأي خطاب متطرف، مهما كانت دوافعه وطريقته.. وأن التسامح هو المشروع الأهم والأشمل. والسلام… السعودية على موعد جديد من التنافح والتلاقح التسامحي والتصالحي مع العالم برمته، وفي هذا الفوز العظيم.
اليوم نحن نعيش تجربة سعودية إماراتية مهمة لتغيير موازيين القوى الإقتصادية والفكرية والإجتماعية من خلال حوكمة التسامح وبناء القوة الذكية، وهى القوة التى يمكن ممارستها من خلال التأثير على الآخرين بالثقافة والإعجاب بالقيم والنماذج الفكرية، والانبهار بالتقنيات المتجددة، والصناعات الإبداعية، والإغراء بتبنيها وامتلاكها بشتى الطرق، وأخيراً،، لا تقل القوة الناعمة .. ولنقل القوة الذكية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال