الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما كان تضخيم بعض الازمات يفضي لحل مشكله او مشاكل قائمة، نعم فالأزمات تخلق فضاء للحوار والنقاش وغالبا تخرج بحلول لا ينتجها الهدوء والرتابة. كثيرة هي أزمات العالم ولن أقول فقط الشرق الأوسط، فذاكرتنا يجب أن تستحضر الأزمات التي مر بها عالمنا خلال الألفية الماضية وماذا اسفرت عنها. وفي ذاكرتنا لاتزال أزمة احداث سبتمبر حاضرة، ولازال كثير منا يذكر كيف كادت أن تعصف بمكتسباتنا وبصورتنا كدولة متحضرة تشد الخطى نحو الحداثة والتطوير. كيف كان كثير منا في مرمى الهجوم والتعدي اللفظي بل والجسدي أحيانا خلال وجودنا خارج المملكة وكيف أفردت القنوات ووسائل الاعلام الدولية بثها وصفحاتها للهجوم علينا عشية وضحى. لم تمارس تلك القنوات أية حيادية أو مهنية . لم يكن لدينا حينها خبرة كشعب في التعاطي مع تلك الأزمة، اعتقادنا حينها أن العالم سيستوعب نوايانا كسعوديين ويتعاطى من خلالها، نعم كل هذا ونحن مجتمع محافظ ومنغلق في التعبير عن نفسه حينها.
كان الثابت أن هذه أزمة تستهدف الوطن وليست أزمة سياسية عارضة لأن الهجوم والانتقاد طال كل مناحي الحياة في المملكة في محاولات لا منتهية للبحث عن شماعات وأسباب لاتهام المملكة بوقوفها خلف تلك الهجمات وبالتأكيد استثمرت بعض القوى التي تناكف المملكة تلك الأحداث ووضعت ثقلها في حملة تشويه سمعة دولية طالت حتى تشويه صورتنا من خلال هوليوود ولاتزال ليومنا هذا.
الفرق بين تلك الأزمة منذ عشرين عام وبين ما نمر به الآن هو أننا فعلا كنا غافلين وقتها عن جوانب تقصير وأخطاء كنا نغض الطرف عنها لأننا لم نمتلك وقتها الجرأة او الرغبة في المكاشفة والإصلاح. ما عشناه خلال العشرين عام التي تلت سبتمبر كشعب بقيادة واعية ممتدة ومتجذرة في أصالتها وعلاقتها مع شعبها كيف لا وهي جزء أصيل منه، أقول مرة أخرى ما عشناه يجب أن يدرس ويستعرض أمام القاصي والداني. فالاعتراف بالقصور والأخطاء فضيلة استلهمتها المملكة وانطلقت منها لتصحح مسار كثير من جوانب الحياة فيها، منها التعليم، الحوار وتقبل الآخر، أسلوب المعيشة، وحتى فهم الدين نفسه والتعاطي مع الاختلافات العقائدية والفكرية.
استطعنا أن نعبر خلال عشرين عام من حالة نكران ذات عامة إلى ثقافة نحن ندرك جوانب القصور ونصنع التغيير وفق رؤيتنا، عاداتنا وأسلوبنا ونصل لنتيجة مبهرة دفع بها جيل مخضرم بكل دهاء واستنهض فيها همم جيل متوسط كان همه الأول الوطن الجامع وما يمثله أمان الوطن برغم كل الاختلافات وبعيدا عن الأنانية وأية اجندات أخرى غير “الوطن” ومصلحته أولا وأخيرا. انتقلت روح الإصلاح والرغبة في إحداث تطوير مجتمعي حقيقي لكافة شرائح المجتمع، حتى تلك التي كان يعتقد أنها عصية على التغيير وأصبح العنوان الأوحد كيف نصبح أفضل مما نحن عليه في كل مجال من مجالات الحياة، السياسة، الاقتصاد، التعليم، الصحة وحتى الدين.
لم يأت التحديث والتطوير في المملكة على ظهر دبابة ولم يكن بثقافة أو منهج بعيد عن واقعنا المحلي، ولذا كانت النتائج أصيلة ومبهرة بكل المقاييس وطالت بالفعل جل مناحي الحياة ونقلتنا بلا شك للأفضل. وأمام تضاءل نقاط الضعف التي استمر اجترارها لعشرين عاما ضدنا بغية التأثير على سمعة المملكة، وحين لم تعد مشاكلنا إلا نقاط قوة استثمرناها لتطوير أنفسنا نحو الأفضل ، كان الهدف في هذه الأزمة هي القيادة نفسها، بما تمثله من انفتاح وقدرة على استشراف المستقبل والسعي نحوه، ولان هدف الآخر الحقيقي الوقوف في وجه السعودية الجديدة باستهداف رموزها أولا وقادة التطوير فيها. لذا لم يتوان السعوديون في هذه الأزمة عن الوقوف صفا واحدا في الدفاع عن وطنهم وقيادتهم لأنهم الركن الأساسي في عملية البناء والتصحيح التي عايشوها بكل تفاصيلها الصعبة والشاقة، ولأن الاصطفاف ما هو إلا تعبير عن رفضهم لمحاولة تشويه مسار البناء والتصحيح في المملكة من أي طرف كان ولأي سبب. ولأننا تعلمنا خلال العشرين سنة التي مضت كيف نتعاطى مع الأزمات التي تأتينا من الخارج وتستهدف الوطن ورموزه وأن قدرتنا على حل مشاكلنا فاقت تصورنا وأثبتت أن البناء والتصحيح البناء يأتي من الداخل فقط وبتضافر كل الجهود.
لم نكن نعتقد يوما أن المرأة ستقود وأن البهجة والسعادة يجب أن تسود وأن الدين يسر قولا وعملا، وما أكثر المشككين والمترددين حينها، كيف كنا وكيف صرنا! لايزال لدى هذا الوطن وشعبه موعد مع رؤية تستنهض همم الجيل القادم ليكمل المسيرة ويعبر بالوطن لمستقبل أكثر اشراقا وأمانا بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال