الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كافة كيانات الأعمال أياً كان شكلها، مؤسسة أو شركة أو جمعية أو مركز أو هيئة، حكومية كانت أو خاصة أو مستقلة عن ذلك كله كجهات المجتمع المدني وغيرها من الكيانات فإنها تنضوي تحت مسمى (المنظمة) وذلك كونها تأخذ شكلاً منظماً في هيئتها ومضمونها ليساعدها في تحقيق أهدافها التي وجدت من أجله بفعالية. وبالرغم من تنوع آليات التنظيم من جهة لأخرى إلا أنها تشترك في مجموعة من الأطر والترتيبات التي ساد التعارف عليها في علم الإدارة الحديث وتنضوي تحت مضلتي الحوكمة والتطوير التنظيمي، والتي تبدأ من قرار تأسيس الكيان من الناحية القانونية والنظامية ومن ثم ترجمة هذا القرار إلى منظومة أخرى من الأطر كالرؤية والرسالة والأهداف العامة والتي تكون أحد أهم مرتكزات بناء خطة الكيان الاستراتيجية.
ويأتي بعد ذلك عملية وضع لبنات البناء للكيان ومن أبرزها الهيكل التنظيمي و علاقات الارتباط التنظيمي و مهام القطاعات الرئيسية و المسميات و الدرجات و الأوصاف الوظيفية، وكذلك كادر التعيينات و السلم الوظيفي بالإضافة إلى حجم القوى العاملة و أساليب تسكينها على الهيكل إلى غير ذلك من أدوات التطوير التنظيمي. ويكون ذلك بالتزامن من وضع السياسات و اللوائح الداخلية و الإجراءات و مخطط العمليات التي تضمن سير العمل تجاه تحقيق أهداف الكيان بفعالية و كفاءة.
وهذا التسلسل في عمليات البناء و النشأة للكيان أو تحوله من أسلوب إداري إلى آخر تتفاوت فيه طريقة تطبيقه كافة المنظمات، والتفاوت على نوعين رئيسيين أولاهما اختيار النموذج الأنسب الذي يتوائم مع الكيان وأهدافه وهذا أمر مهم، والآخر في قضية التفاوت هو مدى فاعلية التطبيق والتي تختلف من منظمة إلى أخرى فمنها ما وصل مدى التطبيق إلى مرحلة النضج و الثبات و الاستقرار ومنها مازال تائهاً في دوامة من الفوضى والضبابية وبينهما تتراوح البقية.
وكون (السياسات) تلعب دوراً محورياً في عملية التنظيم وضمان الجودة و وضع المعايير و المبادئ التوجيهية لعملية صناعة القرار في المنظمة، فإنه غالباً مايتم الخلط في صياغتها مع (الإجراءات) التي تكون أكثر تفصيلاً من السياسات إذ أنها تأخذ طابع التسلسل في سرد المهام و الأنشطة و النماذج و الخطوات التي تصف الكيفية لتنفيذ السياسة، فالسياسات هي (ماذا) و الإجراءات هي (كيف). و حيث أن أصحاب المصلحة بطبيعة الحال متأثرين بهذه السياسات داخلياً (الإدارة التنفيذية، الأقسام، الموظفين) و خارجياً (العملاء و الموردين و الجهات المنظمة و الشركاء الاستراتيجين) فإن الأمر يزداد سوءً و تعقيداً جراء هذا الخلط، حيث يضع الحواجز أمام الخدمات أو المهام الواجب تنفيذها من قبل الموظف الذي يفترض به الالتزام و الامتثال للسياسة و التي أضحت هجيناً من مبادئ عامة و إجراءات تفصيلية فيخشى خرقها لمعالجة الحالة التي تواجهه فأصبح (محاصراً) ومقيداً لايستطيع تنفيذ الخدمة وفقاً للقيد الذي أمامه.
فبهذا انتقلت (السياسات) من كونها (إطار) يتسم بالمرونة و السلاسة و الشمولية التي من خلالها يمكن معالجة الحالات مهما اختلفت احوالها، إلى هيئة (حصار) يضفي جواً من التعقيد و الشلل في بعض الأحيان داخل المنظمة، مما يضطر صنّاع القرار و المسؤولين إلى حلول مؤقتة لتجاوز هذه الأزمة و هي (الاستثناءات) التي تستمر مع الوقت في ازدياد لتصبح هي الأساس في تنفيذ الأعمال مما يفقد السياسة أهميتها و يضعف جدواها. ولحل هذا الإشكال ينبغي مراعاة (خصائص السياسات) و (خصائص الإجراءات) والتمييز بينهما قبل كتابتها و توثيقها ونشرها.
فخصائص السياسات تتمثل في الوضوح و سهولة الفهم، التكامل وعدم التعارض أو التداخل، الشمولية، المرونة، والخطوط العريضة، وأخيراً تكون موجهة نحو أهداف المنظمة العامة وصناعة القرار وبهذا تصبح صالحة على المدى الطويل مما يعزز من استقرارها والذي ينسحب على استقرار المنظمة بشكل تلقائي . في حين تكون خصائص الإجراءات متمثلة في التفصيل والتفسير للسياسات، الديناميكية في التطوير، التعددية في حلول المعالجات وطرح الخيارات، وتكون موجهة نحو تنفيذ الأعمال و تقديم الخدمات وكذلك قابلة للتطوير و التعديل لتتواكب مع متغيرات الأعمال المطردة حسب المجال و الصناعة لكيان المنظمة.
ومن جهة أخرى ومما يسهم في إضفاء المرونة على التعامل مع السياسات و الإجراءات هو إطار الحوكمة للإقتراح و التعديل و الإعتماد للسياسات و الإجراءات، وهو يختلف بحسب حال المنظمة من حيث الإنتماء و التأثير و الحجم و المجال، ولكن بوجه عام فإن كثير من الممارسات تجعل كافة الصلاحيات المتعلقة بالسياسات و الإجراءات مرتبطة بمجلس الإدارة وهذا بلا شك يجعل الأمر محكوماً بدقة ولكنه في المقابل يشكل عرقلة أمام استمرارية الأعمال حيث يأتي دور الحوكمة الرشيدة في هذا المحور وتقوم بتنظيم العلاقات و الصلاحيات من حيث التفويض و التحكم و الرقابة، بحيث تكون السياسات بحسب خصائصها تستلزم إشراف مجلس الإدارة، وتقوم الإدارة التنفيذية برفع المقترحات التي ترى وجاهتها لإجراء تعديل على السياسة، في حين تفوّض الإدارة التنفيذية فيما يخص الإجراءات من حيث الصلاحيات في حدود الإطار الذي رسمته السياسة.
تذكر أن كل حالة تختلف عن الأخرى ويصعب وجود حالتين متطابقتين تماماً، و تذكر أن المنظمة وجدت للتعامل مع كلا الحالتين. فما بالك بمئات الحالات في عالم الأعمال التي تواجهها المنظمة بشكل دوري. إن معالجة تلك الحالات بفعالية و إرضاء لكافة أطراف المصلحة من خلال السياسات و الإجراءات لهو مؤشر نضوج المنظمة في تطبيقها للسياسات و الإجراءات وتكون بذلك خرجت من الحصار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال