الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يا الهي كم هم غاضبون !!
كانت هذه اول الأفكار التي خطرت على بالي عندما رأيت صور كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لشركة نيسان، التي اختارتها الصحافة اليابانية لنشر خبر القبض على كارلوس بتهمة التهرب الضريبي، صور تظهره كمجرم تنشرها ذات الصحافة التي نشرت قصة مصورة من 150 صفحة تمجد هذا البطل في الأيام الغابرة.
و انطلقت بيوت الأخبار العالمية في التحليلات حول الأخطاء و كيف كان يمكن تجنبها فقط لو أن. لكن ماشدني فعلاً ليس التحليل، و لكن مالذي يجعل رجلاً من الذكاء لدرجة أنه استطاع تحويل 20 مليار دولار من ديون الى أرباح، و جمع الشرق بالغرب في صناعة السيارات ورأس و أدار أكثر من 14 شركة، مالذي يجعل رجلاً كهذا يتهور لدرجة القبض عليه؟ ! مالذي يجعل رئيساً تنفيذياً آخر يتغاضى عن غلطات محاسبية فادحة دمرت الشركة رغم أن شركته كانت تحقق الأرباح ومكافآته هو كانت في تزايد دائم؟
حكومة، شركات و تجارة، أو حتى الاثنين معاً في دولة بأكملها، يمر الرئيس التنفيذي منذ ظهوره وحتى أفوله بثلاثة مراحل، يختلف طول كل مرحلة حسب الشخص والزمان والمكان والمنظمة، هذه المراحل هي:
مرحلة آرثر:
تقول الأساطير أن الفلاح آرثر كان يمشي في المدينة فرأى أهلها مجتمعين حول سيف مغروس في صخرة يحاول الجميع انتزاعه من مكانه دون جدوى. علم آرثر أن الساحر مرلين القى تعويذة على السيف أن يظل مكانه للأبد، ولن ينتزعه من الصخرة الا من هو جدير بحكم انجلترا بأكملها. تقدم الشاب آرثر وسحب السيف من الصخرة وسط ذهول الجميع وغيظهم وحكم انجلترا.
بعض الأساطير تذكر أن الساحر مرلين كان يريد أن يصبح آرثر تحديداً هو الملك القادم، ووضع التعويذة باسم آرثر تحديداً وأوهم الناس بأن الفرصة متاحة للجميع. بغض النظر عن مدى صحة ذلك، لكن الثابت هو أن وجود آرثر في المكان الصحيح في الوقت الصحيح وامتلاكه للمهارة الصحيحة أتاح له تولي المنصب. تذكر الأساطير أن آرثر كان خير من عرف هموم شعب انجلترا وان رخاء حكمه امتد لبريطانيا بأكملها، كما انه أسس مجلساً استشارياً من فرسان الطاولة المستديرة يهدف الى احلال السلام و نشر العدل.
تستطيع أن تميز الرئيس التنفيذي في مرحلة آرثر بكونه حريصاً على الواقع ومدركاً لأبعاده، تجده دائماً في فروع الشركة ومع عملائه وموظفي الصف الأول. كما أن الرئيس التنفيذي في مرحلة آرثر يكون مثابراً على الاستماع أكثر من الحديث، ومنهمكاً بجمع الكفاءات حوله ليساعدوه في إدارة المسؤولية. تزدهر المؤسسات محاسبياً وفعلياً عندما يكون رئيسها التنفيذي في مرحلة آرثر.
مرحلة قارون:
و قد نسميها أيضاَ بداية الانحراف، في هذه المرحلة يبدأ الرئيس التنفيذي في الاقتناع أن توليه للمنصب ليس مجرد توافق لظروف المكان و الزمان و المهاره، بل هو انتقاء كوني له بسبب قدراته الفذه و عمله الدؤوب. عندما سأل قارون كيف استطاع تحقيق كل هذه الثروة أجاب “إنما أوتيته على علم عندي”، نسي العميل والمنتج والفرصه والسوق ومعدلات العرض والطلب وقوى التوريد والتصنيع وأوعز كل النجاح لعقليته التجارية الفذة.
تستطيع تمييز أن الرئيس التنفيذي في مرحلة قارون بتواجده الدائم في مكتبه و قاعات الشهرة، وايمانه المطلق بتفوقه الشخصي، وحرصه على التحدث أكثر من المعرفة، وانهماكه في احاطة نفسه بحاملي الأخبار الطيبة فقط. تزدهر الشركات محاسبياً عندما يكون رئيسها التنفيذي في مرحلة قارون، أما مؤشرات قياس الأداء الفعلي فتبدأ في التلاشي.
مرحلة هتلر:
غالباً مايبدأ الحديث عن الحرب العالمية الثانية بالحديث عن المعارك والمفاوضات، لكن مايتم اغفاله هو كيف أمكن لدولة خرجت للتو من حرب وعقوبات اقتصادية كألمانيا أن تغزو أوروبا؟ الإجابة هي أن هذا غير ممكن أساساً، لا من حيث التسليح ولا الاقتصاد ولا التكنولوجيا ولا حتى الجغرافيا. أوهام المستشار الألماني هتلر بأنه يمتلك قدرات فذة وان القدر هو الذي وضعه في هذا المكان، جعلته يؤمن بأنه يستطيع القيام بما يشاء وقتما يشاء ولن يوقفه أحد. وفعلا تجاهل هتلر كل نصائح جنرالاته وضحى بجنوده وقاد بلاده لهزيمة مذلة هرب منها هو نفسه بالانتحار في مخبأ. تستطيع تمييز أن الرئيس التنفيذي في هذه المرحلة بالأصفاد في يديه.
قد يختلف المسرح و الفصول، لكن ستظل الشركات التي تديرها منظومة من الكفاءات تكتب الملاحم، وستظل شركات البطولات الفردية تكتب التراجيديا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال