الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعبِر نظرية اللعبة Game theory عن طريقة دراسة اتخاذ القرار، كونها أحد المنهجيات المعتبرة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، والتي تهتم بدراسة استراتيجيات التصرف ويتوقف تحقيق فاعليتها في القرارات التي تتعامل مع مواقف يدخل فيها أكثر من طرف، تكون العلاقة بينهم إما علاقة تنافس أو تعاون، بطريقة تعرض سلوك الفرد أو المؤسسة حيال قرار استراتيجي ما وبصيغة رياضية، يعتمد النجاح فيها على اختيارات الآخرين. كما تستخدم في قطاعات ومجالات لا حصر لها، كالسياسة والاقتصاد وعلوم الحاسب والتنافس بين الشركات وغيرها.
فاللعبة هنا في الموقف الاستراتيجي الذي تمثله أنت أمام أكثر من طرف، لكن مكسبك فيه غير مرتهن على تصرفك وسياسة عملك وحسب، بل على تصرفك وتصرفات الآخرين كذلك! فمثلا لو نلعب لعبة عملة النقود، أو كما تشتهر بمسمى ملك وكتابة، ونفترض أن من تظهر له صورة الملك يفوز، هنا لا يؤثر أي عامل آخر على فوزك عدا ظهور صورة الملك، فلا يمكنك استخدام نظرية اللعبة كاستراتيجية لتحقيق احتمالية الفوز.
لكن، لو قلنا أننا في الأيام القليلة المقبلة نترقب معرض الكتاب، ومدة انعقاد المعرض خمسة أيام، بطبيعة الحال فإنك ستحاول تجنب الأيام المزدحمة، فستفكر قائلًا: طبعًا سيكون أول يوم مزدحم، لعلي أذهب في اليوم الثاني. وسيفكر زميلك بنفس الطريقة بانيًا قرارًا مماثلًا يقضي ذهابه في اليوم الثاني، وكذلك زميله، وهلم جرًا. ففي حال دوران ذات الهاجس لدى جميع الناس، سيكون ثاني أيام المعرض هو اليوم الممتلئ والمزدحم بالناس، لأن الغالبية الكبرى منهم قد بنت قرارها بتجنب الذهاب إلى المعرض في أول يوم له؛ توقعًا منهم بأنه سيكون يومًا مزدحمًا بحضور الكثير من الناس. لذلك في مثل هذه المواقف؛ عند بناء قرارك يجب الأخذ في عين الاعتبار كيف من المحتمل أن يتصرف الآخرون بطريقة تؤثر على قرارك؟ هذه باختصار هي نظرية اللعبة.
ولعل أوضح مثال واقعي تتجلى لنا فيه نظرية اللعبة هي استراتيجية الشركات المنافسة في الحملات الإعلانية، فمثلا لو فرضنا أن شركتي بيبسي وكوكاكولا، تبلغ حصة كل منهما في السوق ما نسبته 50٪، وفي مواسم معنية، يستوجب على كل من الشركتين أن تنفق ما يقارب مليون دولار على الحملات التسويقية والإعلانات، على الرغم من معرفتها بأنها ستتلقى نتائج مماثلة من الإيرادات دون زيادة في شريحة العملاء، في هذه الحالة لم يضف الإعلان للشركة شيئًا سوى ترسيخ صورتها أمام المنافس، الذي يملك نصف حصة السوق. علمًا بأن كلا الشركتين لديهما خيار عدم خسارة هذا المصروف التسويقي، لكن خوفًا وجهلًا بتصرف المنافس، تبذل الشركة مثل هذا القرار تحوطًا؛ في حال قيام الطرف الآخر بالتقدم خطوة، ترجعها للخلف عنه، وتؤثر على صورتها أمامه بشكلٍ عكسي.
كذلك أحد أمثلة نظرية اللعبة نشهده في المزادات البيعية، والتي يكون مكسب الشخص فيها متمثلًا بشرائه للمنتج بأرخص سعر ممكن، ولن يتحقق ذلك إلا في حين عرضه لسعر يضمن فيه الشراء عندما يتوقف الشخص المقابل له عن المزايدة، أي أن المكسب هنا لا يعتمد فقط على قراره بل هو معتمد كذلك على قرار الطرف الآخر في توقفه عن المزايدة.
ولتكون الطرف الكاسب وفق هذه النظرية، إليك نصيحتي، توقع وخمن اتجاه سير الموقف كاملًا، حاول أن تقنع وتؤثر على الطرف المقابل قدر الإمكان. وإحصائيًا، كل ما كثرت الأطراف المؤثرة في اللعبة فإن النتائج تتغير جذريًا. وتذكر! في نظرية اللعبة من يعرف أكثر يربح أكثر، فلا تفرط في تقديم معلومات للطرف الآخر قد تضر بموقفك التنافسي، فكلما قلت معرفة الطرف الآخر بظروفك تزداد احتمالية فوزك، كما أن زيادة معرفتك بأحوال الطرف الآخر أمرٌ يصب في صالحك، ويخطو بك خطوة إضافية تُبلغك مكسبك.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال