الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محدودةٌ هي المنظمات التي تتخذ قراراتها بناءً على رؤيةٍ واضحةٍ للمخاطر المترتبة على أي قرارٍ استراتيجي أو نوعي . قد يكون هذا الأمر جليًا في مرحلة ما قبل الأزمة المالية الأخيرة حيث شهدنا الكثير من القرارات أحادية الأبعاد التي كانت تؤخذ دون النظر إلى التأثيرات الأخرى ذات العلاقة أو حتى نتائج هذا القرار على إدارات المنظمة الأخرى ، قد لا يكون الأثر حاضرًا لحظة أو بعد اتخاذ القرار مباشرة ، ولكنه قد يتبين بوضوح عند مجابهة الأزمات التي قد تلوح بالأفق.
للحد من تأثيرات هذه النظرة أحادية الأبعاد ، وخلق بيئة قرارات واضحة المعالم من حيث دراسة المخاطر المترتبة عليها فإننا قد نأخذ بما استُحدث وطبق بنجاحٍ عالميا حيث شهدنا أن بعض الشركات قد أولت اهتمامًا بمنصب الرئيس التنفيذي للمخاطر(Chief Risk Officer) خصوصًا بعد أزمة 2008م ، يعد هذا المنصب حلقة الوصل بين مجلس الإدارة وباقي إدارات المنظمة من حيث أي مخاطر تعتريها أو تهددها ، وأيضا يتيح الفرصة لمجلس الإدارة بتحديد مدى القدرة لتحمل المخاطر، والتي يتشارك في صياغتها التنفيذيون كذلك ، وهو ما يسمى بمدى رغبة التعرض للمخاطر أو بشهية المخاطرة ( Risk Appetite Framework ) .
ينبغي أن يكون لدى كل إدارة مستوى أقصى معين ومحدد مسبقًا لتحمل المخاطر طبقا للتوازن المطلوب بين المخاطر والعوائد ، ويتم مراقبة مدى التزام هذه الأقسام بالقدر أو بحصة المخاطر المعطاة وتغييرها إن لزم الأمر أو إعادة تقسيمها بين الإدارات للوصول لكفاءة أعلى ، وتجدر الإشارة إلى أن سياسة ونظام إدارة المخاطر المؤسسية (Enterprise Risk Management) يهدف إلى الحد من بعض المخاطر ، وإزالة البعض الآخر حسب الإمكانية وما تقتضيه المصلحة ، ومنها ما يتم إبقاؤه تحت المراقبة ، حيث أن القضاء على المخاطر بالكامل قد يكون مستحيلا.
من أهم وظائف رئيس المخاطر هي التأكد من فعالية حوكمة المخاطر بشكل عامٍ للمنظمة ، وكذلك لكل قسم من أقسامها المتعرضة لذلك، بالإضافة الى قيادة مهمة تحديد المخاطر وقياسها وتحليلها، وبحث السبل للتعامل معها على ضوء نظام إدارة المخاطر المؤسسية. قد تكون هذه المخاطر ماليةً أو ائتمانيةً أو تشغيليةً أو حتى مخاطر متعلقة بالسمعة أو الامتثال بالمتطلبات التنظيمية ، وعليه فإنه يقع على عاتقه التأكد من سلامة الإجراءات والأنظمة لإدارة المخاطر وإبقائها دومًا – عن طريقِ آليةٍ محكمة – تحت المراقبة وإعادة دراستها دوريا عند وقوع أي حدث طارئ أو تبدل لبيئة الأعمال المحيطة.
بالنظرِ إلى أفضلِ الممارسات فإنه يفضل أن تكون هناك لجنةٌ مستقلةٌ للمخاطر معنية بشكل مباشر على استعراض أداء آلية إدارة المخاطر والقرارات المتعلقة بها ، إضافة إلى أن يكون لدى رئيس المخاطر قناة مفتوحة مع مجلس الإدارة تطرح فيه التحديات المتعلقة بالمخاطر وأخذ آراء المجلس بالحسبان وإبداء وجهات النظر بالحلول المقترحة إن وجدت.
بإمكاننا القول أنه لا يمكن أن تكون هناك فعاليةٌ بالقدر الكافي دون أن يكون الرئيس التنفيذي داعمًا لإدارة المخاطر بالمنظمة وآخذا لها بالحسبان عند اتخاذ أي قرارٍ استراتيجي ، ولذلك فمن المرغوب جدًا أن تكون هناك قابلية للرئيس التنفيذي لإعطاء رئيس المخاطر كلمة الفصل في القرارات التي من الممكن أن تغير من الموقف الحالي للشركة بما يتعلق بتعرضها للمخاطر.
مما لا شك فيه أن يكون لدى المدير المالي ارتباطٌ وثيقٌ بما يقوم به رئيس المخاطر وذلك من خلال التفاصيل الدقيقة للآثار المالية ومدى جسامة التداعيات على استمرارية المنظمة وملائتها المالية ، فدور المدير المالي مهم للمشاركة في مجالس الإدارة وتفصيل الآثار المالية بينما يكون دور رئيس المخاطرِ أكثر شموليةٍ واستراتيجية.
وطبقًا ( لتوماس سانتون ) وهو مؤلف كتاب ” لماذا تزدهر بعض الشركات بينما تفشل البقية ” والذي يسرد فيه دروسًا وقصصًا خلال الأزمات للشركات المالية فإن من أهم الفوارق بين الشركات الناجحة وبين الشركات التي أخفقت خلال فترةِ الأزمة المالية الأخيرة هو تطبيق مبدإِ الحوار البناء والمستمر بين أفراد المنظمة ، وقد سرد المؤلف ( جيمس لام ) في كتابه ” إدارة المخاطر المؤسسية ” عدة فوائدٍ لتطبيق إطارٍ لإدارة المخاطر من أهمها : زيادة كفاءة التقارير المتعلقة بالمخاطر، ورفع الفعالية والإنتاجية بالإضافة إلى تحسن وتطور مؤشرات الأداء.
لجلب نتيجةٍ فعالة لأي نظام لإدارة المخاطر فينبغي دمج وحصر عوامل المخاطر المختلفة تحت مظلة واحدة والأخذ بالحسبان مدى تذبذب هذه العناصر ومدى قوة ارتباطها ببعض مما يساهم في تعظيم فوائد التنويع لتلك المخاطر ، وبالتالي تحسين كفاءة اتخاذ القرارات.
ولهذا نجد أن دور مجلس الإدارة جوهريٌ في خلق بيئةٍ واعيةٍ لإدارة المخاطر وحتى للمدراء التنفيذين في زرع هذه الثقافة للعاملين بالمنظمة ، بل وربط جزءٍ من التقييم ومؤشرات الأداء لعملهم بمدى الالتزام بهذه المقاييس المتفق عليها مسبقًا ، ولكي يكون أعلى الهرم على درايةٍ كاملةٍ عما يحصل بهذا الجانب فيجب أن يكون لدى مجلس الإدارة نزعةٌ أو توجه إلى النقاش الفعال مع الإدارة التنفيذية وطلب أي معلومات أو تقارير من شأنها تدعيم القرارات المتخذة أو حتى متابعة الحالة العامة للمخاطر وعدم الركون إلى تقاريرٍ عامة يصعب من خلالها التعاطي مع الموقف الحالي والمستقبلي للمخاطر.
نجد أن ذلك يتيح خلق بيئة حوارٍ مفتوحةٍ حول المخاطر وتقريب لوجهات النظر والحلول المقترحة في إطار مهني هادف . وكخطوة ايجابية أخرى يفضل أن يكون هناك تواجد لأعضاء من مجلس الإدارة والذين لهم خبرة كافية في علم المخاطر في اللجان ذات العلاقة لتغطية ومتابعة أشمل والتأكد من سلامة سياسة المخاطر المتفق عليها.
مما لا شك فيه أن نجد دور رئيس المخاطر ذو أهميةٍ بالغةٍ في المؤسسات المالية والاستثمارية ، ولكن أيضًا تشمل المؤسسات الأخرى التي من طبيعة عملها التعرض لتلك المخاطر . ولأن المخاطر تختلف تعقيداتها حسب طبيعة العمل فقد يتسنى للرئيس التنفيذي أو المدير المالي القيام بأدوارٍ ومسؤوليات رئيس المخاطر إذا ما وجدت المؤسسة أن عملياتها ليست بالتعقيد الذي يستدعي فصل المهام والمسؤوليات وإسنادها بشكل مستقل لرئيس المخاطر ، ولكن من وجهة نظري الشخصية أرى أن التنظيمات الجديدة لبيئة الأعمال والقوانين والتشريعات المتسارعة قد تحتم – وبالدرجة الأولى على المؤسسات المالية والاستثمارية – إعطاء هذا الأمر وزنًا أكبر ونصيبًا وافرًا من الاهتمام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال