الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتفردُ الإنسان بفكرهِ وتعقله، ويذيع صيته الحسن تبعًا لأفعاله التي تترجمها مبادئه المبنية على ثقافته الفكرية ونتاج تحصيله من دروس هذه الحياة. لذلك فإن القدرة على بناء الرأي الخاص والتبحر في التفكير المستقل دون التأثر انصياعًا وتشوشًا بالمؤثرات المحيطة يُعد أمرًا جوهريًا في تميز شخصٍ عن آخر. فحريٌ بالمرءِ أن يبني وجهة نظره الخاصة، ويحكم قراراته الحياتية وفق قدرته الشخصية على تحليل الحقائق وربط الأفكار، والتحقق من مدى صحة النظريات والأخبار المحيطة به من عدمها؛ ليبني بذلك تفكيرًا تأمليًا خاصًا به يتركز فيه اعتقاده ويترجم به مبادئه وفق ما يتناسب مع قدراته.
ما أرمي إلى شرحه في هذه المقالة هو مفهوم التفكير النقديcritical thinking، والذي يعد وسيلةً تُستخدم في تقديم الأفكار والحلول للمشكلات المعقدة، أو المسائل التي تحتاج للعديد من الأدوات التي تساعد في الحصول على النتائج المنشودة. وأهم ما يجب أن يتصف به الشخص ليكون قادرًا على بناء رأيه النقدي الخاص، هو استعداده جملةً وتفصيلًا لتقبل مختلف الآراء من حوله، فلا يتعصب ولا ينحاز. كما يجب عليهِ أن يوسع أُفقه، ويجعل صدره رحبًا لتقبل النقد الموجه له، بتواضعٍ وعقلانيةٍ تامة، فيتسم بالمرونة ويكون مستعدًا لإعادة التفكير في رأيه وطرح فرضياته وأسئلته التي أدت به إلى قناعة عن غيرها.
قد يظن البعض أن مفهوم النقد محصورٌ على الكشفِ عن السلبيات وتصيد الأخطاء، وهذا غير صحيح. فالناقد بدوره يكشف عن مآثر الجمال والإبداع تمامًا كما يُعلق عن رأيه عن الهفوات والثغرات التي تعتري الشيء، فكرةً، مشروعًا أو قصيدةً كانت. وقس على ذلك النقد الأدبي الذي يستعرض لنا أفكارًا أدبيةً عظيمة، ويركز على صور بيانية بديعة، إشادة وتقديرًا لجمالها.
فالتفكير النقدي هو أحد ألوان التفكير الإبداعي، يُعنى ببلوغ قمم التطوير والإصلاح. وهو حاجةٌ ماسة لكل شخص يملك قدرةً على التخطيط وحقًا بالحلم ومجالًا للتفكير. وهو الأداة التي تفك عقدة الحبل التي نواجهها حين نهم بتنفيذ مخططاتنا. فحين يشوب التخطيط مؤثرات الرغبات من غير منطقية مدروسة، أو حين نتأثر ببعض الآراء القاصرة، ينتج عن ذلك مفارقة بين ما خُطط له ونوال الهدف النهائي على أرض الواقع. والوضع أشبه برؤية صورة إعلانٍ لوجبة لذيذة وحين تعزم على طلبها، تُصعق بالفرق بين ما تم تصويره لك بشكلٍ مغري في الإعلان والوجبة التي بين يديك!
فلكي تُلاقي أهدافك بحلتها الزاهية، تمامًا كما تخطط لها، عليك أن تفكر بشكلٍ نقدي! عليك أن تكون ذلك المفكر الذي يبصر المفارقة، ويعي أبعاد المسافة الفاصلة بين ما هو كائن وما يمكن أن يكون! فهذه المسافة الفاصلة هي العقدة التي تحول بيننا وبين بلوغ مبتغانا وتحقيق هدفنا.
اجعل تفكيرك مرتهن لطبيعة الظروف المحيطة بك، كيفها تبعًا لأهدافك، وحللها تزامنًا مع معطياتك، وحين تطبقها احرص على أن توافق مبادئك، وحارب دائمًا بستة: ماذا وكيف ومتى ولماذا وأين ومَن!
دلال السميران
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال