الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتميز مهنة المحاسبة والمراجعة كغيرها من المهن الأخرى بأفق كبير للتطور يتيح الوصول الى أعلى درجات الاحتراف المهني والذي يمكن أن يتحقق من خلال الممارسة الصحيحة للمهنة وباستخدام الأدوات الأساسية والتي أهمها المعرفة الحديثة بكل ما يحكم المهنة من أنظمة وتعليمات ومعايير وما يحيط بها من تجارب سابقة ولعل أهم وأسرع مصدر ووسيلة للحصول على القدر اللازم من المعرفة الحديثة تتمثل في الكم الهائل من المعلومات ذات الصلة بكافة جوانب مهنة المحاسبة والمراجعة التي يحصل عليها المهنيين عند الإعداد لاختبارات زمالة الهيئة السعوديين للمحاسبين القانونين (SOCPA) والتي تمنح لمن يشاء من الحاصلين عليها الرخصة لهم بممارسة المهنة كمحاسبين قانونين ليبدؤوا بعدها الرحلة الحقيقة لهم كمهنيين محترفين.
أسباب كثيرة ومنها برامج التشجيع المنظم والكبير التي قامت بها الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين لاستقطاب أعداد أكبر من المحاسبين للجلوس لاختبارات الزمالة سنوياً وزيادة عدد المدن التي تعقد فيها الاختبارات وعدد مرات الاختبار في السنة والقبول بمعادلة بعض الاجزاء من مواد الزمالة لحملة الزمالات المعترف بها دولياً أدت الى نجاح الجهود وتحقق الأهداف لمضاعفة أعداد الحاصلين على الزمالة وبالتالي زيادة أعداد المرخصين لممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة.
لا شك أن ما تحقق يمثل إنجاز لا يختلف عليه أحد خاصة بعد أن عانت المهنة لسنوات ماضية من شح كبير في أعداد الحاصلين على الزمالة ومن ثم المرخصين الجدد وكان المؤمل لهذا الإنجاز أن يلبي احتياجات السوق المتزايدة لمنع المزيد من الاحتكار ومعالجة أوجه الخلل المختلفة التي تعتري بعض من جوانب مهنة المحاسبة والمراجعة وتحسين جودة ومصداقية ما يقدمه المحاسبون القانونيون لإضفاء الطمأنينة المتوقعة لما يقدموه من خدمات متعددة الى المستفيدين على اختلاف حاجاتهم وما يتطلعون اليه وإعادة الثقة في مهنة المحاسبة والمراجعة بعد أن فقدها بعض المستفيدين بسبب حالات الأخطاء المحاسبية وفشل أعمال المراجعة في التصدي لها.
وضعت الهيئة بعض الضوابط لعمل المحاسبين القانونين ومنها تحديد سقف لإجمالي ساعات عمليات المراجعة التي يجوز للمحاسب القانوني الإشراف عليها ونفذت الكثير من زيارات فحص جودة الاداء لمكاتب المحاسبة لتقف بنفسها على واقع بعض الممارسات التي تم ادراجها في تقارير الفحص وصنفت كمخالفات أو حالات عدم التزام ومنها تجاوز الكثير من المحاسبين القانونين لسقف الساعات المحدد من قبل هيئة المحاسبين بأضعاف مضاعفة معللين ذلك بعدم وجود ما يكفي من المرخصين.
قلة الحاصلين على الزمالة وتوفر الكثير من الفرص في السنوات السابقة لم يساعد المهنة في استقطاب المزيد من المرخصين لها حيث كان لدى البعض قناعة بأن المردود المادي للمهنة لا يقابل المخاطر المهنية المرتبطة بها وفي السنوات الحالية وبعد زيادة عدد الحاصلين على الزمالة وأقبالهم على المهنة وقبولهم بمخاطر مهنية أكبر في ظل مسؤوليات وأنظمة أكثر نجد أن العوائد المادية والمزايا المعنوية للمحاسبين القانونين حديثي الترخيص أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه حتى وصلت في حالات منها لتكون أقل من ما يتقاضاه المدراء الماليين في شركات متوسطة الحجم مع الأخذ في الاعتبار فارق المسؤولية والمخاطر المرتبطة بعمل المحاسب القانوني.
تدهور القيمة المادية والمعنوية لزمالة المحاسبين السعودية بدأ عندما قررت شركات المحاسبة الكبرى الاستعانة بالمرخصين الجدد للوفاء بمتطلبات الهيئة ولو ظاهرياً وترقيتهم من موظفين الى شركاء بالجهد بدون أي حصة في ملكية الشركة المحاسبية تبعهم في هذا التوجه شركات المحاسبة الأصغر حجماً حتى أصبح العرف السائد خلافاً لما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن وهو ما حقق للشركات المحاسبية هدفها بزيادة أعداد المرخصين وبأقل الأثمان والاستجابة لملاحظات الهيئة بخصوص تجاوزات سقف الساعات لكل شريك مرخص.
على الجانب الآخر نجد ان المسارات الوظيفية المستقبلية أمام حديثي الحاصلين على الزمالة المليئين بالثقة والحماس تكاد تكون محدودة بعد أن لم يجد بعض منهم ما يستحقونه من مكانة وظيفية خارج منظومة العمل المهني حيث يسود عدم الاعتراف أو الجهل من قبل قطاعات السوق الأخرى بما يملكه حامل الزمالة السعودية من معرفة مهنية وخبرة ومهارات تمكنه من قيادة الادارة المالية لكثير من الشركات مما لم يترك لكثير من الزملاء والزميلات الجدد سوى خيار شركات المحاسبة كأفضل فرص متاحة تحقق لهم جزء من الاعتراف المعنوي والدخل المادي الذي كانوا يطمحون له.
يضاف الى ما سبق عوامل سلبية أخرى أثرت على أهمية الزمالة وقيمتها السوقية ومنها عدم وجود ضوابط تحكم تواجد بعض الشركات الأجنبية من خلال فروعها المسجلة في المملكة أو من خلال العمل عن بعد من خارج المملكة وتقديمها لبعض من الخدمات المهنية والمحاسبية الغير مدرجة من ضمن أنشطتها المرخصة وبأتعاب تنافسية تقلص من الحصة السوقية وفرص النمو لمكاتب وشركات المحاسبة المرخص لها بالعمل في المملكة وتعيق ولادة مكاتب محاسبية محلية جديدة لاحتواء حملة الزمالة بالشكل الذي يليق بهم ويوقف تدافعهم لعرض خدماتهم في سوق يوشك خلال سنوات معدودة على التشبع وانعدام الطلب.
وفي ظل ما تقدم وحتى لا تصبح الزمالة السعودية للمحاسبين القانونين عديمة القيمة أو تتجاوز تكلفتها والمخاطر المرتبطة ببعض استخداماتها ما يمكن أن تحققه من طموح وعائد معنوي ومادي واذا ما أرادت الهيئة للزمالة أن تستعيد بريقها ومكانتها فعليها أولاً التصدي للممارسات التي تقلل من قيمتها ولعل أهمها استغلال شركات المحاسبة لحامليها من المرخصين بأثمان ومزايا بخسة لا تقابل ما ينطوي على ذلك من مخاطر مهنية كبيرة في الوقت الذي يتم الاعتراف فيه بالزمالات الأخرى وحتى الغير معترف به دولياً منها ويصل ما يحققه حامليها الى أضعاف ما يحققه حاملي الزمالة السعودية وثانيا خلق فرص وظيفية أخرى لحاملي الزمالة خارج دائرة مكاتب المحاسبة من خلال تثقيف مجتمع الأعمال بما يتمتع به حامليها من معرفة ومهارات علمية وحاجة العديد من الشركات لهم للتعامل بإحترافية مع المتغيرات الكثيرة والمعقدة من معايير دولية وأنظمة زكوية وضريبية وأنظمة شركات وحوكمة ومتطلبات إفصاح دوري للشركات المدرجة وخلافة من الأنظمة المختلفة ومن ثم العمل مع الجهات ذات العلاقة على توطين الوظائف القيادية للإدارات المالية بمن يحملون الزمالة مما يفتح قنوات جديدة لحامليها ويعيد التوازن للعرض ويفتح آفاق جديدة للطلب بشكل يعيد لها بريقها ومكانتها وقيمتها المادية والمعنوية في مهنة المحاسبة بشكل عام وفي مكاتب المحاسبة بشكل خاص.
في الختام يبقى للحصول على لقب زميل قيمة أبدية لا تتأثر بجميع ما ذكر من عوامل أفقدت الزمالة بعض من قيمتها المعنوية والمادية تتمثل في أنها الغاية التي تحقق لكثير من المحاسبين نيل أعلى وسام مهني يمنحهم أعلى درجات الثقة بالنفس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال