الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل عقدين من الزمن، لم يكن استخراج النفط الصخري وإنتاجه ضمن أولويات الشركات الكبرى، كونه يتطلب عدة أمور من بينها إجراء دراسات مستفيضة وتطبيق تقنيات متقدمة وتسهيلات استثمارية عالية المخاطر، لكن روح المغامرة لدى الشركات المستقلة ساهم في تحويل ما كان يوصف بالمستحيل إلى واقع ملموس وإلى رافد اقتصادي مهم للاقتصاد الأمريكي، يساهم بـ 4% من الناتج المحلي الاجمالي.
بحسب آخر تقرير لجمعية المنتجين المستقلين الأمريكيين، يزيد عدد المنتجين المستقلين عن 9000 شركة نفطية في أمريكا وهذه الشركات هي المسؤولة عن حفر 90% من الآبار النفطية في أمريكا وتقوم بتوظيف 4 مليون عامل بمعدل 12 موظف لكل شركة وهو رقم لا يستهان بها على الإطلاق.
نهضة النفط الصخري:
ينسب الفضل في نهضة النفط الصخري إلى جورج ميتشل الذي قام مع فريقه بالعمل على تطوير تقنية التكسير الهيدروليكي في الأحواض الصخرية والتي أثبتت نجاحها وفعاليتها في استخراج الغاز الصخري في حوض البارنيت في تكساس. حفرت شركته التي أسسها ما يقارب الـ 10 آلاف بئر منها 1000 بئر استكشافي أشرف بنفسه عليها.
حفزت هذه النجاحات الكثيرين على الاستثمار في الأحواض الصخرية وتأسيس شركات نفطية مستقلة. هذه الزيادة المضطردة في عدد الشركات قابله زيادة غير مسبوقة على التخصصات الجيولوجية والهندسية البترولية وبها أضحى مهندس البترول عملة نادرة وتخصصًا مرغوبًا لدى الكثيرين والأعلى دخلًا بين جميع التخصصات الهندسية. لكن الأمر لم يدم طويًلا إذ سرعان من انهارت أسعار النفط في 2014 وأشهرت الكثير من الشركات المستقلة إفلاسها وتم تسريح ما يزيد عن 90 ألف عامل في الصناعة النفطية في ولاية تكساس لوحدها في 2015.
بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم في يناير 2017، انتعشت الصناعة النفطية الأمريكية بشكل ملحوظ. في العام الماضي، زاد إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط الخام بمقدار مليوني برميل يوميًا وهو أعلى معدل في تاريخ الصناعة النفطية الأمريكية ويرجع الفضل في ذلك إلى الدعم الحكومي من قبل الإدارة الأمريكية إما بتقديم حوافز ضريبية أو تسهيل الإجراءات القانونية التي تقيد الشركات النفطية بما فيها المستقلة من التوسع.
انعكس هذا الأداء الايجابي على تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكي (Energy Information Administration) الأخير والذي أعلنت فيه تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر صافي للطاقة (Net Exporter) في 2020 (أي أن صادراتها من الطاقة ستزيد عن وارداتها بفضل النفط والغاز الصخري).
هل بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة على هذه المعدلات مستقبلًا؟
يخطئ الكثير بتعاطيهم مع التوقعات المستقبلية كأمور مُسلًمة خصوصًا تلك التي تنشرها المنظمات الحكومية العالمية كمنظمة الطاقة العالمية أو غيرها. الهدف الرئيسي من نشر التوقعات هو رسم التوجه العام لما سيحدث كالطلب على النفط بناء على البنية التنظيمية والسياسات الراهنة والتقنيات المتوفرة. هذا الرسم لا يخلو من رغبات سياسية بما يتماشى مع أجندة هذه المنظمات كما ورد في تقرير وكالة الطاقة العالمية الذي ركز على دعم الجهود لانخفاض انبعاثات الكربون بناء على مخرجات مؤتمر باريس للمناخ.
أمر آخر يغفل عنه الكثيرون هو أن معظم التوقعات لا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الهندسية أو الجيولويجية في حساباتها أو تتغافل عنها. مثل هذه الجوانب يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كون أن المحرك الرئيسي لإنتاج النفط الصخري هو الشركات النفطية التي تعتمد على هذه الجوانب في عملها.
الكثير من التقارير الغير رسمية تشكك باستدامة النفط الصخري على المدى البعيد كتقرير (Shale Reality Check) والذي يرى فيه الكاتب، بعد أن أجرى دراسات تفصيلية على أداء آبار في 12 حوض صخري في مختلف الولايات الأمريكية، أن معظم تقديرات الاحتياطيات النفطية المرصودة (Estimated Ultimate Recovery) في تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية متفائلة جدًا وغير واقعيّة.
بالاضافة إلى الجوانب التقنية هنالك تحديات تتعلق باقتصاديات النفط الصخري وتمويل مشاريعه. أشار تقرير شلمبيرجير الربع سنوي الأخير إلى ارتفاع في التكاليف الرأسمالية مستقبلًا من 54% حاليًا إلى 75% بحلول 2021 وذلك بسبب النقص في المعدات لتلبية التوسع في البنية التحتية لعديد من مشاريع النفط الصخري بالاضافة إلى تحديات تواجهها الكثير بسبب التنافس الحاد بين المنتجين المستقلين على حفر آبار بمسافات متقاربة جدًا فيما بينها وما له من أثر سلبي على إنتاجيّة البئر الصخري من النّفط الخام والغاز واستدامة إنتاجية الآبار النفطية.
يشبه البعض ما تمر به الصناعة النفطية الأمريكية في هذه الفترة بما حدث في منتصف القرن الثامن عشر من تدافع محموم على استخراج الذهب في الغرب الأمريكي والتي عرفت حينها بـ (Gold Rush) والتي لم تدم طويلًا حيث سرعان ما خفت وتيرة التنافسية الحادة والعشوائية في عمليات التنقيب عن الذهب وأصبحت كل ما يتعلق بالذهب وعملية استخراجه أكثر تنظيمًا عبر الزمن.
يبدو أن ارتفاع أسعار النفط في المرحلة القادمة هو طوق النجاة لكثير من الشركات المستقلة العاملة في النفط الصخري إلا أن التوجه السائد هو أن هذه الصناعة ستصبح أكثر تنظيمًا بمرور الأيام وقد نشهد الكثير من عمليات الاندماج والاستحواذ فيما بينها وخروج البعض في حال لم يتأقلموا مع التحديات الراهنة، هذا والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال