الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لاشكً أنً توطين القوة العاملة في دول الخليج العربي هو قرار إستراتيجي هام ومطلب ملح نظراً لما تواجهه هذه الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من انعكاسات خطيرة لحالة البطالة المتزايدة على الصعيد الأمني والاقتصادي والاجتماعي. وقد اتخذت هذه الدول بالفترة الأخيرة مواقف أكثر جرأةً في مخاطبة قضايا التوطين, وفعًلت عدة مبادرات طموحة ومن ضمنها قرار التوطين ل 12 نشاط ضمن قطاع التجزئة السعودي. وبهذا المقال أوجه النظر لضرورة اعتبار التكلفة الاقتصادية جراء تلك القرارات. ولا شك كما أنً للتوطين مقتضيات منطقية جليًة فهنالك تكلفة تتشاركها الجهات الحكومية مع كيانات القطاع الخاص الخاضعة لسياسة التوطين.
تشكل تكاليف الامتثال لقرارات التوطين عائقًا داخليًا هامًا أمام توطين القوى العاملة. يقدم لويس وزملاؤه ( 2014) تصنيفًا مفيدًا لتكاليف القوانين التنظيمية، مما يساعد على فهم وتقدير تكاليف التوطين التي تتكبدها الشركات. وهكذا، فإن تكاليف القوانين التنظيمية ومنها القوانين العمالية تشمل التكاليف المباشرة، وتكاليف عدم الكفاءة الناتجة عن القوانين المفروضة، وتكاليف الامتثال. التكاليف المباشرة هي الرسوم المفروضة على الشركات من قبل الحكومة، مثل التراخيص والغرامات والرسوم. وتختلف هذه التكاليف من شركة لأخرى ويمكن قياسها بسهولة. وتتعلق تكاليف عدم الكفاءة بأثر اللوائح الجديدة على السياسات والأنشطة التجارية، وقد تؤثر هذه التكاليف على نوع وكمية وأسعار السلع والخدمات التي تقدمها الشركة.
وأخيرًا، هناك تكاليف الامتثال والتي يمكن تفصيلها إلى ثلاثة أنواع: تكاليف التوعية، وتكاليف التطبيق، والتكاليف الإيضاحية للامتثال. ويحدث الوعي بتكاليف التنظيم عندما تدفع الشركات المال للحصول على المعلومات والمشورة ذات الصلة. وتلتزم الشركة بتكاليف تطبيق القوانين عندما تتبع الشركة القوانين فعليًا، الأمر الذي يتطلب بذل جهود إضافية مثل شراء معدات خاصة أو تنظيم دورات تدريبية للموظفين. ويمكن أن تشمل التكاليف المتعلقة بإثبات المطابقة مع القوانين، على سبيل المثال، شراء برامج معينة لتتبع الامتثال للتشريع وتوثيقه.
وبالإضافة إلى الأنواع الثلاثة من تكاليف الامتثال، يمكن أن تتجاوز التكاليف المقاييس المالية إلى تكاليف غير قابلة للقياس الكمي ومثال ذلك التكاليف المعنوية، مثل الإجهاد الفكري والنفسي المرتبط بالجهود الرامية إلى تلبية متطلبات اللوائح الجديدة، وهي بطبيعة الحال مهمة ولكن يتم تجاهلها عادة بسبب صعوبة قياسها رقميًا. ويشدد تقرير مركز أبحاث دولي متخصص بالأعمال التجارية الصغيرة على أن تكاليف الامتثال التنظيمي تؤثر بشكلٍ أكبر على الشركات الصغيرة أكثر من غيرها بسبب محدودية مواردها الداخلية (الوقت، المال، الخبرة) حيث أنها غير قادرة على توزيع التكاليف على نطاق عريض من العمليات. وعلاوة على ذلك، يتعين على الشركات الصغيرة أن تتحمل تكاليف الفرص الضائعة عند تخصيص مواردها المحدودة المتاحة لأنشطة الامتثال الغير مدرة للربح.
وقد أشار بعض الباحثين أن التوطين يمكن أن يعاني من معضلة ازدواجية الوظائف، حيث تستمر العمالة من غير المواطنين في تقديم خدماتهم على الرغم من أن المزيد من المواطنين بدأوا يشغلون وظائف متعددة في القطاع الخاص. ونتيجة لذلك، تعاني البلاد من زيادة عدد الموظفين أو ما يعرف بالبطالة المقنعة. وفي هذا تكلفة إضافية لا يمكن إغفالها.
ومسألة الإنتاجية أساسية أيضًا في هيكل التكاليف بالنسبة للكيانات الخاضعة للتوطين. ومن أسباب زيادة التكلفة أنه يتوجب على الشركات دفع أجور أعلى لموظفين ذوي إنتاجية أقل بشكل عام مقارنة مع القوى العاملة الوافدة. ويمكن لبعض الشركات أن تتعامل مع هذه التكاليف، في حين أن البعض الآخر يتأثر بشدة إلى درجة إغلاق النشاط بالمجمل. من الضروري أن تظل الأعمال مربحة، مع مراعاة متطلبات السعودة الناجحة. وهنا يبرز التحدي الكبير حيث يمثل الحفاظ على الربحية تحديًا كبيرًا لكل نشاط مدرج ضمن التوطين.
ويعتبر العديد من الكتاب الاجتماعيين ضعف إنتاجية الموظفين المحليين الجدد كذبة كبيرة ويدحضون هذه الادعاءات مع مشاعر وطنية متحمسة. ومع ذلك، تعترف بعض التقارير الحكومية بمشكلة إنتاجية القوى العاملة السعودية. وقد نصت خطة التنمية التاسعة على ما يلي:
“خلصت الدراسات المختلفة لسوق العمل إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز إنتاجية العاملين السعوديين في المملكة، إلا أنها لا تزال منخفضة نسبيًا. واتفقت استراتيجية العمل السعودية التي أعدتها وزارة العمل على أن “إنتاجية العامل السعودي تأتي في مرتبة متأخرة مقارنة بإنتاجية العامل في 26 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.” وأظهر تقرير عن العمالة الصناعية صادر عن منظمة العمل العربية في عام 2008 أن إنتاجية العمال في عدد من بلدان الشرق الأوسط منخفضة، حيث تبلغ إنتاجية العامل العربي 37 في المائة من إنتاجية العمال في بعض بلدان شرق آسيا وحوالي 17 في المائة من إنتاجية العامل الصناعي في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن” تحسين إنتاجية القوى العاملة السعودية هي حاجة ماسة “(وزارة التخطيط، 2010).
وإن أردنا حصر جميع تكاليف التوطين التي تتكبدها الشركات نجد أن هناك ندرة بالمعلومات حول التكلفة المالية للامتثال لسياسات التوطين بدول مجلس التعاون الخليجي. البحوث المتاحة هي نوعية وغير رقمية ويتم التلميح في هذا الموضوع دون بحث عميق في التفاصيل. وقد يرجع ذلك إلى أن معظم الدراسات تعكس وجهة النظر الرسمية وتدعمها، وتركز على استراتيجيات تمكينية لتوظيف المواطنين.
وفي حين أن موقف المناصرين للتوطين يميل إلى التقليل أو تجاهل تكاليف الامتثال كحاجز لسياسة التوطين، إلا أن بعض الأبحاث السابقة تؤكد على أنها عقبة مهمة. إن توظيف القوى العاملة المحلية يفرض وبشكلٍ واضح تكاليفاً إضافية على الأعمال التجارية. وقد تعاملت الشركات المتوافقة مع التوطين بشكل عملي حيث ركزت على التحكم في تكاليفها والحفاظ على الربحية قدر الامكان. فقد اتبعت بعض تلك الكيانات المتوافقة بعض “استراتيجيات البقاء” وأهمها موازنة التكاليف مع بعض الزيادات بالأسعار من خلال تمييز منتجاتها وخدماتها عن تلك التي يقدمها المنافسون. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في الأسعار بشكل عام في الاقتصاد، وهذا من تداعيات سياسة التوطين التي يجب على الوزارات المعنية أن تدركها. وفي الواقع، أبرز صندوق النقد الدولي( 2013) أن مبادرات التوطين في دول مجلس التعاون الخليجي قد تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم.
ويبدو من الضروري أن تقوم الكيانات التجارية بالتضحية ببعض أرباحها من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل انخفاض المبيعات الكبير لمعظمها مع زيادة التكاليف: و لقد كانت استراتيجيات البقاء المطبقة من بعضها مفيدة للتعويض عن تكاليف إدارة التوطين. ومع ذلك، قد تجد الكيانات الصغيرة صعوبة في تطبيقها! وعلى عكس الكيانات الصغيرة، نجد الكيانات الكبيرة لديها عادة عمليات تشغيلية أكبر ومدخولات عالية وبإمكانها الاستفادة من اقتصاديات الكمية للحصول على خصومات تساهم في امتصاص كل أو بعض تكاليف التوطين.
وبالخلاصة, إن مراقبة التكاليف تبدو تحديًا لجميع الشركات وخاصةً الصغيرة منها. ومن البديهي أنً التكاليف المتراكمة عند نقطة معينة قد تصبح عالية جدًا ولا يمكن استيعابها، وقد تواجه الأعمال التجارية صعوبات لمتابعة عملياتها الإنتاجية. لا شك أن التوطين لا مناص منه ولكن حساب تكلفته الاقتصادية لاشك سيقود الجهات المعنية لإخراج مبادرات داعمة, أكثر واقعيةً وقابليةً للتطبيق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال