الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثر في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح “الموائمة” بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، إلا أن كثرة استخدام هذا المصطلح اصبح يثير الشك؟ فوضع “التعليم” ومخرجاته تحت المجهر، هي ليست إلا مجرد وسيلة لإبعاد الشبهة عن مكانها الحقيقي!
فالمرحلة الإنتقالية التي يمر بها اقتصادنا من إعادة هيكلة، كشفت الكثير من نقاط الضعف في قطاعنا الخاص، والذي بجانب إتكاليته على المشاريع الحكومية والدعم السخي، يعاني من عدم قدرة الكثير من شركاته على القيام بذاتها من خلال حسن الإدارة واستغلال الموارد المتوفرة من مادية ومعرفية أو بشرية.
من هنا نشأ لدينا قطاع خاص “اتكالي” لايرتكز نجاح الكثير من شركاته على “المعارف المتخصصة” أو الكفائات البشرية المتميزة في حقول أنشطته، بقدر اهتمامها بالشراكات الأجنبية، أو العقود الحكومية، أو العمالة الأجنبية ذات التكلفة المنخفضة التي تستخدمها “كأداة تفاوض” عندما تحتد “لسعودة” بعض الوظائف. وانتقل هذا الداء إلى الشركات المحلية التي لم تحض بشراكات مع أسماء عالمية، وأصبح لدينا شركات “بثقافة” تجارية “تشخصن” أي مسؤولية تجاه المستثمر أو المستهلك أو المواطن الباحث عن عمل لتقليل التكاليف! ولاتنظر تجاه المسؤوليات الاحترافية أو الاجتماعية كفرصة لرد الدين للمجتمع الذي تجني أرباحها منه.
الحقيقة التي لا تقبل مجالاً للشك، أن الكثير مما يقال عن أبنائنا حديثي التخرج من الجامعات المحلية جزء ليس بالقليل منه هو ”نتاج” هذه الثقافة التجارية لقطاعنا الخاص وهم بريئين من كثير مما ينسب إليهم من عدم الانضباط، وقلة الخبرة، أوالقصورالمعرفي. فقضية عدم الانضباط مثلاً، من السهل تفسيرها من خلال نظرية الأجور، التي تنص على أنه في حال توفر بيئة عمل ذات سمات مرغوبة، يقل الأجر، والعكس صحيح. لكن أن نرى بيئة عمل ذات سمات غير مرغوبة، وأجر قليل لايتناسب مع الأجور العالمية في مجال التخصص، بكل تأكيد سينتج عن ذلك ارتفاع في مستوى عدم الرضا الوظيفي وكثرة في الغيابات وأخطاء العمل.
بالنسبة لقضية القصور المعرفي، فالجامعات على مستوى العالم ومنها جامعاتنا المحلية تزود الطلبة بجميع المعارف المتعلقة بتخصصاتهم، وتعي هذه الجامعات ومنسوبيها أن الطلبة بعد التخرج لن يطبقوا أكثر من ( 30%) مما تم تعليمهم لأسباب تعود لطبيعة “أداء” العمل و”سياساته” في أماكن العمل المستقبلية. عطفاً على أن محتوى التعليم هو في الحقيقة نتاج تجارب عالمية متنوعة مما يعني أن حديثي التخرج يملكون دراية جيدة عن التجارب العالمية في مجالاتهم، وليسوا بحاجة إلا إلى مرحلة “تأقلم” في منشآت التوظيف. وهم في غنى عن “آراء” أشخاص يمتلكون من الخبرة ..سنة واحدة …. تم ”تكرارها” على مدى سنين!
هنا يكمن الإشكال، عندما يحاول قطاع خاص “متبني” لثقافة معينة… تحجيم قيمة الجامعات ومخرجاتها و“يحاول” أن يكون الطرف الأقوى في عملية “الموائمة”! عفواً، نحن لا نتحدث عن سوق “متخصص” يغذي الكتب الدراسية “باستمرار” بأفضل الممارسات كما هو الحال مع القطاع الخاص الأمريكي أو في بعض الدول الأوروبية المتقدمة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
لذلك هنالك عدة أسئلة تتبادر للذهن، هل المعلم السعودي الذي يعمل في مدارس القطاع الخاص جودته التعليمة أقل من جودة تعليم معلم أجنبي من دولة تقبع في ذيل الترتيب العالمي في التعليم؟ هل المهندس السعودي تعليمياً أقل مستوى من فني من إحدى دول العالم الثالث؟ هل المحاسب السعودي الحامل لشهادة لبكالوريوس أقل جودة من محاسب يحمل شهادة الدبلوما؟ هل يعقل أن يصل الحد إلى أن حملة شهادات “وهمية” أصبحوا أفضل جودةً من سعوديين خريجي جامعات عالمية؟.
لذلك، إشراك القطاع الخاص “بقدراته” الحالية في المساهمة في تصميم البرامج التعليمية قد يضفي “عبئ” جديد يضاف لمعايير الجودة الأكاديمية التي تسعى الكثير من الجامعات من خلالها للحصول على اعتمادات أكاديمية “عالمية” لبرامجها وهو طموح “مشروع”. لكن أن يتسبب هذا الطموح بامتثال “شكلي” للمعاير وتعطيل للعملية الأكاديمية، واستنزاف للموارد, هنا يكمن الإشكال. حيث أن معايير الجودة المصاحبة لهذه الاعتمادات والتصانيف، “قد تتحول إلى طقوس إدارية وإجراءاتغير مؤثرة لما يكتسبه الطالب في قاعة المحاضرات وإن أسهمت في رفع جودة المدخلات، فإنها لا تضمن لنا جودة مخرجات تفي بمتطلبات سوق العمل” كما أشار معالي وزير التعليم د. حمد آل الشيخ.
الحقيقة أننا لسنا بحاجة لإعادة ابتكارالعجلة في ظل وجود مؤشرات عالمية يستدل بها، والكثير من برامج الجامعات المحلية ذات كفائه وترتيب المملكة متقدم تعليمياً : فيالمرتبة 41 عالمياً، لكن من المهم لمواكبة رؤية 2030 ,إيجاد الآليات الضامنة لعمليات “المراجعة والتطوير” المستمر للبرامج الأكاديمية الحالية، ومواكبتها “التحديثات” الطارئة على برامج الجامعات العالمية المرموقة ومحتوى مناهجها الدراسية “التي تغذيها” أفضل الممارسات في الأسواق العالمية في شتى التخصصات “باستمرار”، حينها سوف نواكب متطلبات أسواق العمل العالمية ومتغيراتها وتحدياتها بكفائة أكبر.
ولاننسى أهمية استقطاب أعضاء هيئة تدريس “أكفاء” من دول العالم المتقدم لسد “العجز” الحالي للأخذ بيد الكادر الأكاديمي السعودي الذي غالبية أعضائه هم خريجي جامعات عالمية، حينها سنتمكن من تحقيق جزء مهم من ”طموحات” رؤية سمو سيدي ولي العهد بأن يصبح “خريج” المنشآت التعليمية السعودية صالح لأن يعمل في أي سوق عالمي …. “بذكاء”.
وفي الختام، لانغفل عن أهمية الكادر الأكاديمي السعودي في تطوير قطاعنا الخاص، كيف لا وهم “نخبة” مطلعة على أفضل الممارسات والآليات والتشريعات المنظمة للأسواق العالمية. حالهم حال الأكاديميين في دول العالم المتقدم الذين “أجادوا” في رسم خارطة الطريق لاقتصاداتهم وأضافوا قيم نوعية على نواتجهم المحلية وتنوع مصادرها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال