الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تبدو أن بعض التخصصات لها تأثيرها النفسي والصحي على الشخص المختص فيها. فكثيراً ما تجد أصحاب الفنون يميلون للفوضى في أوقاتهم وطريقة سير عملهم وهذا بسبب نظرتهم اللامحدوية تجاه الأشياء والأحداث فالجودة تعني تجاوز المعروف، تماماً بعكس من هو مالي -باختلاف تخصصاتهم- فتجد الاتقان يُفسّر باتباع الأنظمة والإجراءات والمعايير.
التأثير-غير المدرك- من التخصص وطبيعة العمل يلقي بظلاله حتى على اللقاءات الاجتماعية، فأذكر أن أحد الأقارب حضر لقاءً لأكاديمي في استراحة (كل الحاضرين بنفس الشريحة العمرية) يقول لي أنه أثناء اللقاء بدأ يتحكم بالحضوريسأل هذا ويترك الآخر يجيب ويُسكت هذا وذاك حتى جاء أحدهم بعدما فرغ صبره قائلا “يا بوي اذا صرنا بالقاعة عندك تكلم على راحتك”. الوعي بتأثيرات العمل والتخصص مهم لنمونا الفكري المعرفي.
معرجاً على التخصصات المالية لاحظت -آمل أن تكون ملاحظتي خاطئة- أننا من أبعد التخصصات عن الرياضة والنشاط الحركي. هذا العِداء يحتمل عدة تفسيرات -وليس مبررات- كثيرة كطبيعة العمل والحدود الزمنية والضغوط النظامية والإدارية التي تجعل الشعور والذهن مملوء بالقلق والمتابعة. وبحكم اهتمامي الرياضي اندمجت مع مجموعات وسباقات رياضية كثيرة محلية ودولية (سباحة،جري،دراجة، نوادي،ترايثلون، وغيرها) فشاهدت تخصصات كثيرة -يبدو أن المهندسين أكثرهم- ولم يحالفني الحظ لأجد أي شخص مالي أو محاسب. طبعاً هذا لايصح أن يكون دليلاً لكنه قد يكون مؤشراً بسيطاً.
قد يكون من التفسيرات أن رواد الجوانب المالية في المملكة العربية السعودية السنوات الماضية -قبل وجود كفاءات محلية- من دول لم تهتم بالثقافة الرياضية والصحية مما أثر على من يعملون معه. وفقاً لدراسة أجرتها BBC BiteSize أن المحفز الأكثر للرياضة هم الأقران والأصحاب ثم العائلة، فإذا أردت أن تبدأ بجد في رفع المستوى اللياقي فاترك علاقتك مع الماليين “أرجو ألا تحزّ في خواطركم” ،ولو لفترة، وصاحب هواة الرياضة. وتفسيرآخرفكاهي ذكره لي أحد الزملاء أن الشخص المالي يقيس الأمور بمعايير مادية Cost Benefit Analysis فيعتبر تكاليف النادي وتكاليف البنزين للنادي وتكلفة ساعة عمله تفوق الفائدة المتوقعة!
من أهم عوامل النجاح لكل شخص أن يجد نقطة الاتزان بين حياته العملية والشخصية والاجتماعية. ماعدا ذلك يقود إلى اختلال الأولويات ممايلقي بظلاله على الاستمرارية والنجاح. كثير من الدراسات تشير إلى الارتباط الإيجابي بين جودة أداء الموظف ومدى نشاطه الرياضي . وفي دراسة أخرى وجدت علاقة واضحة بنوعية الوظيفة ومدى النشاط الرياضي بأن من يعمل بالوظائف المكتبية والإدراية “White-collar worker” وهذا يشمل (الموارد البشرية، الادرايون، الماليون،…الخ) اهتمامهم والوقت الممضي بممارسة الرياضة أقل من Blue & Pink-collar worker
99%ممن يعمل في القطاع المالي يجلس وبين عينيه الشاشة لساعات طويلة وهذا ضررٌ لامحال منه لسببين: طول النظر وطول زمن الجلوس. بما أنك منهمك بالنظر والقراءة عبر شاشات الحاسب فهذا يزيد وقت جلوسك مما يقلل من نسبة حركتك مما يساعد على ارتفاع الاحتمالية بإصابات مزمنة قد تصل للسرطان لذلك أنصح زملائي المهنيين بأن يؤدوا زكاة أجسامهم كنسبة زكاة الزروع بمؤنة أي 5% من ساعات اليوم اجعلها في الرياضة بشتى أنواعها مما يزيد قوة في العضلات الإرادية واللاإردية.
من الحلول المقترحة لزيادة نسبة النشاط والحركة في العمل (خاصة ممن يعمل أكثر من 8 ساعات متواصلة): الإطالات المكتبية، مقاطعة TeaBoy وخدمة الذات، استخدام دورات المياه البعيدة، مواقف السيارة الأبعد، استخدام الدرج لا المصعد. من النماذج الإيجابية في المجتمع أن بعض الشركات بدأت التشجيع والدعم لموظفيها ولعوائلهم بالتسجيل في الأندية ولعل بعض الشركات تحتذي هذه الخطوات الرائعة لزراعة ثقافة الرياضة في المجتمع. والبعض الآخر من الشركات أنشأ نادٍ مصغر داخل المبنى ليسهل على الموظفين الالتزام بالرنامج الرياضي. وفي حالة أن الموظف مسجل في سباق رياضي فبعض القطاعات تعطي إجازة يومان (يوم قبل ويوم بعد يوم السباق). ومنهم من يتنى سباقات خيرية وجري الماراثون وغيره كمشاركة مجتمعية. وعلى النقيض، أحد الزملاء ذكر لي أنه تعرض للفصل وكان أحد الأسباب “الموظف شارك في سباق دراجات وتعرض لإصابة!”
خلاصة المقال معرفتنا بما نحن عليه ومن نكون يسهل علينا ماذا نريد وكيف نصل إليه؟ لنجعل جزء من حياتنا مليء بالنشاط والحركة ليخلق روحاً إيجابية ونمواً دائماً وإلا فإن هناك عواقب صحية قد تكون مؤجلة لكنها مع فوائد. أسأل الله أن يمتع الجميع بالصحة والعافية وحياة سعيدة هنيئة،،
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال