الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم الاستثمار، لا ترتبط قرارتنا الاستثمارية بالتحليل الأساسي والتحليل الاقتصادي فحسب، بل وتعتمد كذلك على العوامل النفسية التي تؤثر على توجهاتنا وتصرفاتنا، ومن هنا جاء مفهوم الاقتصاد السلوكي.
ينبع مفهوم الاقتصاد السلوكي من الحالة النفسية والفكرية للفرد، وهي التي تؤثر في اتخاذه للقرارات الاقتصادية والاستثمارية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بانتقاء أحد الخيارات التي تنطوي على المخاطرة. ومن أهم مظاهر هذه المنهجية هو تفضيل الإنسان لتجنب الخسارة على تحقيق الربح وذلك بسبب المخاطرة التي قد تنطوي عليها الاستثمارات. وقد دلت الدراسات السيكولوجية أن القوة التي تدفع المستثمر لتجنب الخسارة هي أقوى بمرتين من تلك القوة التي تجعله يقدم على المخاطرة بغرض تحقيق الأرباح.
ومن الناحية النظرية، نجد أن أي مستثمر يُظهر استعداده لتقبل الخسارة والربح على حد سواء، ولكن الحقيقة هي أن الإنسان بطبعه يميل إلى تجنب الخسارة وتجاهل فرص الربح لما قد تنطوي عليها من مخاطر قد تجعله يخسر جزءً من أمواله. وهذا هو تحديداً ما يُطلق عليه “التوجه السلوكي نحو تجنب الخسارة” (Loss Aversion)، وهو المصطلح الذي ظهر لأول مرة على يد خبير الاقتصاد “دانيال كانمان” الحائز على جائزة نوبل، وخبير الاقتصاد “آموس تفيريسكي” عام 1979، وقد عرف هذان العالمان هذا المصطلح الذي يؤكد تفضيل الفرد لتجنب الخسارة على تحقيق الأرباح.
وقد استخدم الكثير من الباحثين المعادلات الرياضية والرسوم البيانية في توضيح هذه النظرية الاقتصادية المؤثرة، وعمدوا إلى استبدال القرارات الاستثمارية وما ينتج عنها من رضا في حالة الربح، وعدم الرضا في حالة الخسارة بمتغيرات بيانية. فإذا رمزنا إلى مقدار كمية الرضا/عدم الرضا بالمتغير (ص)، فسوف نجد أن المستثمر لو اتخذ قراراً باستثمار مبلغ 1000 دولار في السوق المالي على سبيل المثال، ثم أدَرَّت هذه الألف ربحاً قيمته 100 دولار، فإن المستثمر سيحصل على (100 ص) من الرضا، أما لو أنتجت هذه الألف خسارة قيمتها 100 دولار، فسوف يحصل المستثمر على (200 ص) من عدم الرضا، وهذا يعني أن خسارة نفس المقدار تعطي أثراً مضاعفاً، مما يجعل المستثمر يتخوف من المخاطرة تجنباً لهذا الأثر المضاعف من عدم الرضا.
تمتد آثار (التوجه السلوكي لتجنب الخسارة) على المدى القصير الأجل والطويل الأجل؛ فعلى المدى القصير الأجل، ينزع المستثمرون إلى إجراء عمليات بيع أو شراء متسرعة وغير مدروسة بهدف الحفاظ على رؤوس اموالهم مما قد يؤدي إلى خسارة غير متوقعة. أما على المدى طويل الأجل، فقد يتجنب المستثمرون التنويع في محافظهم الاستثمارية خوفاً من أن يؤدي الاستثمار في أحد القطاعات إلى خسائر تؤثر على القيمة الإجمالية لمحافظهم الاستثمارية.
يمكن مواجهة التأثير السلبي (للتوجه السلوكي لتجنب الخسارة) من خلال عدة إجراءاتٍ منها – على سبيل المثال لا الحصر – الاستعانة بالخبراء الماليين من ذوي الخبرة في الاستثمارات قبل اتخاذ قراراتٍ بشراء الأسهم أو بيعها أو الاحتفاظ بها، كما يمكن تبنّي استراتيجيّة استثماريّة ساكنة عن طريق شراء صناديق استثمار قابلة للتداول (ETF) للسوق المالي المستهدف.
آمل أن أكون قد وُفقت من خلال هذا المقال في تسليط الضوء على واحدة من النظريات المؤثرة التي تنعكس على توجهات المستثمرين وقراراتهم الاقتصادية. وسأتطرق في المقال القادم إلى نظرية أخرى وهي “الإحساس بالثقة المفرطة Overconfidence”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال