الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت المملكة خلال العقود الستة الماضية ولازالت من أسرع الدول نمواً واستثماراً في مشاريع البنية التحتية و الطاقة و الزراعة و الصناعات البتروكيماوية و العسكرية و القائمة تطول. ورغم أن أغلب المشاريع أُنشأت بواسطة أكبر الشركات الهندسية العالمية إلى أننا بعد هذه المدة لا نكاد نجد أثراً لهذه الخبرات، فلا تكاد توجد منظمات هندسية سعودية قادرة على مقارعة و منافسة الشركات الهندسية العالمية خصوصاً بالمجالات المعقّدة كالصناعة و الطاقة.
هذا يطرح أمامنا عدة تساؤلات جوهرية:
*هل يجب الحديث عن نقل الخبرات الهندسية و تأسيس منظمات هندسية في المملكة مع وجود الشركات العالمية بمتناول اليد؟
*لماذا لم تنتقل الخبرات الهندسية مع كل هذه المشاريع طوال الفترة السابقة؟
*كيف نصل لتأسيس منظمات هندسية محلية؟
في هذا المقال سنناقش السؤال الأول، ما أهمية تأسيس منظمات هندسية محلية؟ هل يستحق هذا الموضوع النقاش؟! في هذه اللحظة تماماً سيطرأ على ذهنك بعض الأسباب، مثل توطين وخلق فرص وظيفية راقية ذات دخل عالي للمواطن، كما أن جزءاً كبير اً من هذه الأعمال ستكون مكتبية و بالتالي فهي بيئة مناسبة لعمل المرأة. وربما يكون طرأ على ذهنك أيضاً إن كنت ذو ميول اقتصادية حجم المبالغ التي ستبقى في دائرة الاقتصاد السعودي، فالشركات الأجنبية ستحول جميع أرباحها لدولها. وهذين السببين يكفيان كحجة لأهمية توطين المنظمات الهندسية، ولكن هل طرأ على ذهنك الأمن الهندسي؟ لم أجد كتابات سابقة لمفهوم الأمن الهندسي لأستند عليها لغرض توحيد المصطلحات، وسأجتهد في عرض الموضوع ببساطه دون تعقيد من زاويتين أرى أنها تشكل أهم وجهين لمفهوم الأمن الهندسي.
الزاوية الأولى، هي سرية المعلومات الهندسية، فالمشاريع بكل أشكالها تحتاج لمستويات مختلفة من الدراسات الهندسية البسيطة مثل الطرق و المباني السكنية إلى المعقدة كالصناعات البتروكيمياوية و إلى الحساسة كالمشاريع العسكرية والاستراتيجية. و مهما اتّخذنا من إجراءات واحتياطات تعاقدية و قانونية فنحن مكشوفين جداً لشركات هندسية تعمل في كل أنحاء العالم فأسرارك المعرفية ستنتقل لا محالة لمنافسيك أو أعدائك بحسن أو سوء نيّة. ويكون الأمر أشد وطئة في المشاريع العسكرية التي قد تفقد كل قيمتها في حال تسربت بعض المعلومات عن المشروع.
الزاوية الثانية، أن الاعتماد الكلي على شركات هندسية أجنبية لهندسة مشاريعنا الحيوية كتحلية المياه و الطاقة والصناعات العسكرية وغيرها يجعلنا تحت رحمة الظروف الاقتصادية والسياسية لبلدان عدة. فليست بسابقة جديدة على الدول بأن تمنع شركاتها الهندسية والتكنولوجية من التعامل مع بعض الدول عند وجود خلاف سياسي أو أمني أو اقتصادي بحت.
هنا لا أدعو للإستقلال الكلي بشركات هندسية محلية دون سواها، و لكن أدعو للإتزان و عدم الإرتماء الكلي في أحضان الشركات العالمية، فوجود منظمات هندسية وطنية كفؤ يصنع لنا أمناً هندسياً و يقلل من مخاطر التقلبات السياسية و الاقتصادية العالمية على المشاريع التنموية في المملكة و التي أخذنا لها منحناً تنموياً قوياً من خلال رؤية المملكة 2030 . ربما نكون تأخرنا قليلاً في تأسيس منظماتنا الهندسية في المملكة لكن القادم ليس بأقل من الماضي بإذن الله و مازالت الفرصة مواتية و تحتاج فقط لمن يحمل المشعل.
في المقال القادم سنناقش مسببات ما جرى في الماضي و فوّت علينا فرصة بناء منظمات هندسية سعودية عالية المستوى.. فالمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ واحد مرّتين !!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال