الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من المفاهيم السائدة لدى الكثير إن تعثرات مشاريعنا مرتبطة إرتباطا مباشرا بعملية فساد. هذه المفهوم – وإن كان صحيحا في بعض حالاته– يفتقر للتقيم المهني الشامل لكل حالة. لا نختلف بأن الفساد عامل رئيس وملحوظ في تعثر كثير من الأعمال إلا إن لإخفاق في إكمال هذه المشاريع مرتبط بعوامل عدة. فالمشاريع تتشكل على مراحل متعددة ومتعاقبة، تبدأ من الفكرة نفسها وتوقيتها ، مرورا بالتصميم فالترسية فالتنفيذ. الإخفاق في التخطيط والتنفيذ لأي من هذه المراحل ينتج عنه تعثر بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا الإخفاق ربما يكون في طرح الفكرة إبتداء وتوقيتها الزمني، الجدوى الفعلية ، إستيفاء الدراسات اللازمة، قصور في أداء بعض الإدارات والكوادر المعنية ، فضلا عن الإنحرافات في تطبيق المعايير وأفضل الممارسات. من الأدوار الهامة واللازمة لطرح وتنفيذ المشاريع وفق أفضل الممارسات وجود إدارة تجارية مؤهلة ومتمرسة ، قادرة على إدارة العملية التجارية وتحقيق الأهداف المرجوة من طرح المشروع.
ماهي الإدارة التجارية ؟
الإنطباع المبدئي إنها عملية البيع والشراء وكل ما يتعلق بالمال في المعاملات الثنائية. هذا تعريف سائد ومقبول في أوساط كثيرة ذلك لإن المصطلح ( تجاري) يتخذ أشكالا كثيرة لكنه يقوم في الأساس على الربحية أو العائدات المالية ، غير أن الإدارة التجارية في قطاع الأعمال لها مفهوم آخر وأدوار مختلفة ، تتعدى تحصيل العائدات إلى إدارة العلاقة بكل صورها. مفهوم الإدارة التجارية في قطاع الأعمال يقوم على إعداد وتنفيذ إستراتيجيات وسياسات الأعمال ، مما يقتضي التأكد من توافق الحلول المعروضة إضافة إلى إمكانيات المنظمات المنفذة مع متطلبات وأحتياجات الجهة الطالبة. الحصول على أفضل الحلول أو الخدمات بأفضل الأسعار يعتمد على توفر إجراءات وسياسات فاعلة يمكن من خلالها قياس كفاءة الحلول السوقية وإمكانات المنظمات المقدمة لهذه الحلول ، هذا لا يتحقق إلا من خلال إدارة مختصة تؤسس لبئية وثقافة عملية منسجمة مع المصالح الوطنية بأفق مهني متقدم ومتجدد . إذا سلمنا بهذا التعريف فإن أي منتج أو خدمة يتم تقديمها يجب أن تكون مدعومة بإلتزامات تنفيذية تحقق متطلبات العميل أو المستفيد من الخدمة المقدمة ، سواء كانت أعمالا أو منتجات إستهلاكية ، هذا الإلتزام تحدده وترعاه الإدارة التجارية.
الإدارة التجارية التي سنتحدث عنها في هذا الطرح هي تلك التي تتعلق المشاريع بإعتبارها علاقة تجارية بين أطراف مختلفة. المشاريع بشكل عام لها محوران رئيسيان : فني وتجاري، وهي في الأساس تمثل علاقة تجارية بين المقاول المنفذ والعميل المستفيد. إذا أعتبرنا المنتج أو الخدمة أو العمل المراد تنفيذه تمثل الجانب الفني فإن إدارة هذه العلاقة بكل ما فيها من إلتزامات سواء كانت فنية أو تجارية أو مالية أو قانونية دور تقوم به الإدارة التجارية بدعم من الإدارات المختصة. إذا الإدارة التجارية هي عملية إدارة العلاقة منذ نشأتها إلى إنتهائيها بتسليم المشروع وقبوله، وهي في الواقع لا تنهض بمفردها بل تعمل من خلال أجنحة متنوعة ، مالية وقانونية ، وفنية ولوجستية ، إلا إنها تظل الجهة المسؤولة عن تنسيق أعمال الوحدات المختلفة وبالتالي إدارة العلاقة مع الطرف الآخر سواء كان عميلا أم مقاولا.
بنظرة على واقع الأجهزة الحكومية التي تتولى الإشراف على المشاريع نلاحظ عدم وجود إدارات تجارية متخصصة ، وفي الغالب يوجد إدارة عقود ترتبط بالإدارة المالية أو الشئون الإدارية، يقتصر عملها على مرحلة الترسية أو إدارة دفعات العقد ، بينما إعداد وتنفيذ العقد أمر متروك للوحدات الفنية، فضلا عن أن العقد مسودة ثابتة بإعتماد مسبق ، وهي مسودة شروط تستخدم لكل الأعمال بغض النظر عن نوعها وحجمها وظروفها.
والسؤال الذي سنطرحه: ما الذي ستضيفه الإدارة التجارية لهذه الأعمال؟
تتلخص مهام الإدارة التجارية في الجوانب التالية:
تحليل وإدارة المخاطر
لكل مرحلة من مراحل المشروع مخاطر متعددة إبتداء من الطرح المبدئي، أو حتى فكرة الطرح، وإنتهاءا بالتسليم النهائي . قد تكون هذه المخاطر فنية أو مالية أو تنظيمية أو أي جانب متعلق بعوامل أخرى سياسية أو إقتصادية. تقوم الإدارة التجارية بقراءة و تحليل ودراسة هذه المخاطر، مع طرح الحلول الممكنة، والرفع للإدارات العليا مما يساهم في تجنب المخاطر بوقت مبكر قبل وقوعها.
إدارة عملية الإستحواذ أو الشراء
من هذه العمليات أختيارتأهيل المقاولين، إدارة المنافسة وطلب العروض ، تقييم العروض ، الترسية، عملية التنفيذ، التسليم والقبول النهائي ، إغلاق العقد. يقتضي دور الإدارة التجارية في هذه العمليات التأكد من تطبيق السياسات والإجراءات ذات العلاقة ، كذلك التأكد من توافق كل مرحلة مع المتطلبات والإشتراطات الفنية ، مما يضمن سير العمليات وفق إجراءات حوكمة توفر عملية شراء صحية تلبي حاجة العميل وفق أسعار عادلة. تستطيع الإدارة التجارية – وفق الصلاحيات الممنوحة لها – إتخاذ الإجراء المناسب في كل مرحلة ، سواء بالتصحيح أو الإيقاف لكل ما يترتب عليه مخالفة جوهرية تضر بسلامة عملية الشراء والإستحواذ.
إدارة العقد
إدارة العقد تمثل دورا محوريا من أعمال الإدارة التجارية . تتبلور إدارة العقود في مرحلتين أساسيتين: ما قبل الترسية و أثناء التنفيذ. يتولى مختصو الإدارة التجارية مراجعة وإعداد العقد قبل الترسية . من ذلك التأكد من ملائمة العروض وتوافقها مع بنود وإشتراطات العقد، كذلك تحديد مدخلات العقد التي تؤسس لمسؤوليات كل طرف ، وصولا للتأكد من إكتمال جميع المتطلبات اللازمة لتوقيع العقد، منها الضمان البنكي والملاحق التابعة وعدم وجود جوانب معلقة ، والتعديل اللازم على بنود العقد قبل بدء وتوثيق العلاقة. في مرحلة التنفيذ يناط بالإدارة التجارية الإشراف على تنفيذ العقد وفق جدوله الزمني، ومن ذلك التحقق من إلتزام أطرافه ببنوده والوفاء بما تقتضيه من إلتزامات. إضافة إلى إدارة عملية التعديل على العقد ومراقبة الإنحرافات ورفع التقارير الدورية التي تمكن من السيطرة المبكرة على الإنحرافات التي قد تتنتهي بالعقد للتعثر. تقود الإدارة التجارية العملية التفاوضية في خلافات ونزاعات العقد مع الأطراف الأخرى وكل ما يطرأ من مستجدات لم تكن بالحسبان ، كما تراقب عمليات الإختبارات المرحلية والختامية ، وتقر النتائج النهائية. هذه الأدوار مجتمعة تعزز الممارسة الفعالة لضمان التنفيذ وفق إشتراطات العقد .
إدارة التكلفة الإجمالية للمشروع
لا نذيع سرا لو قلنا إن التكلفة المالية تشكل الهاجس الأكبر لدى متخذي قرار الشراء والترسية، بل هي الركيزة الأساسية المؤثرة في حجم وتنوع الطرح والعائد العملي لأي مشروع. من الأدوار الرئيسية للإدارة التجارية إدارة التكلفة من خلال تحليل العناصر الإجمالية للمشروع والإستراتيجية الممكنة للحصول على أفضل الأسعار. إذا سلمنا بإن التكلفة العادلة لا تنعكس في الأرقام فحسب ، تستطيع الإدارة التجارية تحويل هذه العناصر لقيم مالية ، تستطيع من خلال معطياتها الاختيار بين البدائل وتحديد أفضل الإستراتيجيات الفنية والتجارية للحصول على أفضل النتائج وفق أفضل الأسعار. وهذا يمكن من خلال معايير حوكمة تفرضها في جميع مراحل المشروع ، لا سيما في مرحلتي الإستحواذ والترسية من خلال عمليات تنافسية فاعلة.
مع يقيننا بأهمية العوامل الأخرى، إلا إن الإخفاق في إنشاء إدارات تجارية متخصصة ومؤهلة لإدارة المشاريع يظل العامل الأكثر تأثيرا في أعمالنا، فهو صمام الأمان منذ فكرة المشروع إلى خروجه كواقع ملموس. هذا المفهوم –للأسف – غائب في ثقافة الأعمال لدينا لا سيما في القطاعات الحكومية، رغم أهميته ومحوريته في معظم الدول. إن الكثر من العقود المعرضة للتعثر هي تلك التي لا تخضع لممارسة تجارية محترفة، وهي تلك التي يكون طرفاها أو أحد طرفيها تلك الجهات التي لا يوجد بها إدارات تجارية متخصصة ذات تأهيل عالي بإستقلالية تامة، قوامها فريق محترف يؤدي مهامه وفق ممارسات تجارية متقدمة من خلال نظام حوكمة دقيق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال