الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حسب تصريحات بعض مسؤولي الصحة يستنزف مرض السكري 40% من ميزانية الوزارة، وهذا الرقم منطقي جدا، وهو مرشح للزيادة. فقد بلغ عدد المصابين بالسكري في المملكة عام 2015 قرابة الـ 4 مليون مصاب، وهم في تزايد مستمر.
المشكلة الحقيقية ليست في عدد المصابين بالسكري بل في مضاعفاته، التي تبدأ من عدم تجاوب السكر مع العلاجات المعتادة والحاجه إلى أخرى أكثر فعالية ، وحتى الأمراض الخطيرة المؤدية للوفاة والمرتبطة بالسكري بشكل أساسي وقد تجاوزت هذه الحالات 13 ألف نسمة في نفس العام (2015)
فمضاعفات السكري بكافة درجاتها تكاد تكون نتيجة مباشرة لتعامل المريض الخاطئ معه، والذي يؤدي إلى تلك المضاعفات تدريجيا حتى يصعب السيطرة عليها. لكن سوء تعامل المصاب معه سببه قلة معرفته به؛ أولا على المستوى العام من مسببات ومضاعفات ووقاية وطرق علاج، ثم على المستوى الشخصي من حيث نوع السكري , مسبباته , طرق الوقاية منه (النوع الثاني) وأخيرا طرق وأنواع العلاج الخاصة؛ فلكل مريض وضعه الخاص الذي يميزه عن الأخر. مثلا قد تكون بعض الأطعمة تؤثر في مستويات السكر لدى أحدهم ولا تؤثر في الأخر، وكذلك الحالة النفسية وغيرها.
المعرفة على المستوي العام تأتي من خلال التثقيف في وسائل الإعلام بواسطة المختصين ، والتثقيف الخاص لكل مريض بواسطة الطبيب والمثقف الصحي وأخصائي التغذية. والقصور في هذا الجانب واضح جدا؛ أولا من تصدي الجهلة ممن لا يعرفون حقيقة السكري لهذا الجانب المهم جدا، فأصبح كل من لديه أدنى معرفة به يفتي فيه. وثانيا ضعف كثير من المثقفين الصحيين وقصور فهمهم للسكري لدرجة أنهم قد يقدمون معلومات خاطئة تضر بالمصابين، وأخيرا قلة أعداد الأطباء المتخصصين في السكري والغدد الصماء ممن لديهم القدرة والوقت الكافي لتثقيف مراجعيهم، بل إن بعضهم قالها صراحة “هذا ليس عملي”، وبضعهم يقدم المعلومة بجفاء وقسوة.
أما المعرفة على المستوى الشخصي فالوضع أكثر سوءاً. لسبب رئيسي; أن المصاب وطبيبه لن يستطيعا فهم السكري بشكل خاص إلا من خلال التحاليل الدقيقة اليومية والشهرية. ربما كانت التحاليل الدورية الشهرية ممكنة وميسرة، لأنها تصف الوضع العام لحالة الشخص ووضع السكري لديه ، لكنها لا تستطيع تحديد أسباب عدم انتظامه بشكل دقيق، وبالتالي تحديد أسلوب التعامل الصحيح معه. وتلك المعرفة لن تأتي إلا من خلال متابعة يومية دقيقة في أوقات مختلفة من اليوم مع ملاحظة العديد من التغيرات من أكل ونوم وحركة وحالة نفسية ونشاط رياضي وغيرها، وذلك يتطلب عدد كبير من مرات التحليل.
لكن من خلال أسلوب التحليل القديم للسكري لن يستطيع أكثر المصابين حتى الحريصين منهم إجراء التحليل أكثر من 6 إلى 10 مرات في اليوم لصعوبة ذلك ، ويزداد الأمر سوءًا مع الأطفال وكبار السن، وذلك العدد بكل تأكيد ليس كافيا لمعرفة سلوك السكري بشكل دقيق. وأفضل طريقة لمعرفته هي التحليل بواسطة أجهزة التحليل المستمر التي حيث تظل مثبتة في جسم الشخص لعدة أيام يمكنه بواسطتها قياس السكر في كل لحظة. وتلك الطريقة تكشف سلوك السكري للمصاب وطبيبه بكل وضوح في كافة الحالات والتغيرات، وهو ما يجعل تعامل المريض مع مرضه أكثر وضوح وسهولة وكفاءة.
أهم جوانب التثقف هي تلك الخاصة بمن يعتمدون على الأنسولين بشكل أساسي، ففعاليته تتطلب المعرفة بكيفية حساب الجرعة مع كمية ونوع الأكل ونسبة السكر في الدم، وهذا ما يسمى بطريقة حساب الكربوهيدرات (حساب الكارب) وهو ما يجهله السواد الأعظم من السكريين، لأن الأطباء لا يحرصون على تعليمهم أو أسرهم بحجة صعوبته؛ لذلك يعتمدون على تقدير الجرعة وقد تعمل الخبرة دور في تحسن مستوى التقدير الصحيح. لكن يظل الخطأ هو الأكبر نسبة إما بزيادة الجرعة أو نقصها. وسواء كان الأمر معتمداً على حساب الكارب أو التقدير فإن وجود أجهزة قياس السكري المستمرة ضروري جدا.
المشكلة أن تلك الأجهزة مكلفة ولا يستطيع الأغلبية تأمينها، والوزارة لا تؤمنها إلا للأطفال ولا تتوفر مع ذلك بشكل دائم. وأعتقد أن عذر الوزارة في ذلك هو ارتفاع تكلفتها.
لكن إن نظرنا إلى ما ستوفره تلك الأجهزة من معلومات للمصاب وللطبيب عن سلوك السكر بصفة خاصة، وما يمكن أن يُستفاد من تلك المعلومات في رفع كفاءة التعامل مع السكر والعلاج، وما سينتج عن ذلك من خفض لمضاعفاته بين عموم المصابين وبالتالي خفض تكاليف علاج المضاعفات المرتبطة به ، فإن العائد الاقتصادي من توفيرها لجميع السكريين أكبر بكثير من تكلفتها مهما بلغت.
أعتقد أن الوزارة يجب أن تفكر جديا في توفير تلك الأجهزة لجميع المصابين إن كان يهمها صحة المواطن، وخفض تكاليف مرض السكري.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال