الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ بداية الحضارة الإنسانية والاقتصاد يتطور بتطور المعرفة، ومهما كان الأثر لبقية عناصر الإنتاج الأخرى من رأسمال وعمل وسياسات وأنظمة تظل المعرفة العامل الأكثر تأثيرا في نمو وتطور الاقتصاد. وذلك التأثير للمعرفة كبير وعميق ومتشعب، وهو علم قائم بذاته.
نحن في الجانب المعرفي نعاني من ضعف شديد جدا على مستوى التعليم العام، وتحديدا فيما يتعلق بالتجربة والممارسة الفعلية للمعارف والعلوم؛ لذلك يفتقد كثير من شبابنا قبل الجامعة القدرة على الربط بين المعارف والعلوم والواقع، وهو ما يمنعهم من تحويل معارفهم إلى أفكار إنتاجية حتى مع وجود مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهوبين. حيث دورها يقتصر على رعاية الموهبة العلمية التي تتقدم لها، وليس لها دور في خلق مفكرين مبدعين. ثم إن ما يتم فيها بسيط جدا لا يرقى إلى مستوى الابداع والابتكار فعلا.
على مستوى التعليم الجامعي يتحسن الوضع كثيرا خصوصا في الجامعات الكبرى، حيث نجحت الكليات العلمية في تلك الجامعات في الربط بين المعارف والتطبيق من خلال المشاريع والأنشطة. لكنها تفتقد إلى القاعدة العميقة لدعم الابتكار وإنتاج نماذج الأفكار الجديدة والخلاقة، حتى على المستوى المعرفي لأساتذتها. كما أنها تفتقد للموارد المالية الكافية لدعم الابتكارات الجديدة وإنتاجها مبدئيا.
أخيرا مخرجات التعليم العالي في الجامعات العالمية من المبتعثين ومن يدرسون في الخارج على حسابهم، وهؤلاء أتيحت لهم فرص كبيرة جدا في جانبي المعرفة والتطبيق، وحقق بعضهم نتائج مذهلة، واشتهرت ابتكاراتهم ومخترعاتهم وتم تكريمهم على مستوى دولي.
وفيما يتعلق ببراءات الاختراع تعد السعودية الأولى عربيا، فقد بلغت إيداعات براءات الاختراع السعودية لدى مكتب البراءات السعودي لعام 2016 أكثر من 1060 براءة اختراع، وهذا الرقم وإن كان بعيد جدا عن الدول العشر الأولى عالميا، إلا أنه ليس بالقليل.
رغم التأخر الواضح في الأفكار الإبداعية على المستوى المعرفي والتطبيقي الأساسي، إلا أن التأخر الكبير جدا الذي يعانيه الاقتصاد السعودي يقع في الجانب الإنتاجي. فمن الصعب جدا تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتجات، حيث لا توجد القاعدة الصناعية القادرة بمختلف أنواعها ومستوياتها على تحويل الأفكار إلى منتجات. والفكرة مهما بلغت من الروعة والإبداع ما لم تنتج وتتحول إلى سلعة فلا قيمة لها، وسوف يقوم الغير بإنتاجها والاستفادة منها.
وحتى إن استطاعت بعض القطاعات الصناعية والإنتاجية وحاضنات الاعمال انتاج بعض الأفكار، فإن ذلك يظل محدودا جدا من حيث: نوعية الأفكار التي يمكن انتاجها، وجودة المنتج، وحجم ما يمكن إنتاجه، والأهم قدرة المنتج على المنافسة العالمية، بل المنافسة المحلية.
لا أعرف منتجا سعوديا نابعا من فكره سعودية، وأتمنى على من يعرف أن يخبرنا. نعم هناك إعادة تصنيع بعض المنتجات العالمية، أو تحوير منتجات لاستخدامات أخرى. لكن وجود منتج خلق من الفكرة إلى الاستخدام مرورا بالتصنيع والتسويق تم في السعودية، فلا أعرف. وهنا لا أدعى بعدم وجود أفكار سعودية، بل هي موجودة وأعرف بعضها، لكن لم تتحول إلى منتجات. أكرر الأفكار التي لا تتحول إلى منتجات (لا قيمة لها).
نحن نعاني بشدة من شح في الأفكار الإبداعية التي يمكن أن تتحول إلى منتجات، وليس التعليم وحده سببا في ذلك الشح، بل أهم من ذلك بُعد المجتمع السعودي عن العمل المهني حتى تلك المهن التي مارسها آباءهم وأجدادهم، وذلك البعد جعلهم غير قادرين على تصور الأعمال اليدوية والمهنية ومشاكلها وبالتالي استحالة تطويرها. فكما يقال (الحاجة أم الاختراع).
كذلك نحن نعاني من انعدام القاعدة الصناعية القادرة على تحويل الأفكار إلى منتجات يمكن إنتاجها بكميات تجارية وتسويقها على مستوى واسع بحيث يكون الاستثمار فيها مربحا.
الضعف واضح في دعم مراكز الأبحاث والابتكار، وفي تطوير التعليم الإبداعي. كما أن القاعدة الصناعية والإنتاجية غير قادرة على إنتاج بعض الأفكار البسيطة المتوفرة، والقطاع الخاص ضعيف بدرجة تجعله عاجزا عن الاستفادة من الأفكار الجاهزة فضلا عن قدرته على الاستثمار في البحث العلمي ودعم الابتكارات الجديدة.
لكل ذلك أشك أن يكون الاقتصاد السعودي قادرا على مواكبة التطور الصناعي الحديث الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. فالثورة الصناعية الرابعة القائمة كليا على الذكاء الاصطناعي تعتمد على خلق الأفكار في هذا المجال وتصنيعها. ولن يكون مجديا لنا أن نكون مستوردين ومستهلكين لمنتجات العالم دون أن يكون لنا مساهمات حقيقية فيها، فذلك سيجعلنا مجرد أسواق لمنتجات العالم.
متى نرى المنتج السعودي الذي يولد في الجامعات السعودية ويصنع في المصانع السعودية ويسوق في العالم؟؟؟ بعيدا عن (هياط) ومبالغات الاعلام، وشكليات بعض الجهات الرسمية التي نسمع جعجعتها ولا نرى لها طحينا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال