الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
جمعت شركة أرامكو 12 مليار دولار من إصدار سندات غير مسبوق من ناحية مكرر التغطية الذي اقترب من 10 مرات وأيضا كونه من قبل أكثر شركة ربحية في العالم. المبلغ الذي تم جمعه لا يشكل حدثا بحد ذاته اذا ما نظرنا الى أصول الشركة وأرباحها التي تم الإفصاح عنها لأول مرة في التاريخ.
أما بالنظر إلى الصورة الأكبر ووضع الحدث في سياق رؤية 2030 وبرامجها التنفيذية مع الأخذ في الاعتبار الحملات السياسية في الأشهر الماضية، فإن إصدار السندات يشكل حدثا ضخما جدا على الصعيدين الاستراتيجي والعملي.
استراتيجيا، فإنه من المعروف أن الهدف الأساسي للرؤية هو تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط عبر إنشاء قطاعات وصناعات وجلب استثمارات أجنبية تساهم في الوصول لذلك الهدف وخلق الوظائف وتحسين مستوى الحياة. أما من الناحية العملية، فإن تنفيذ البرامج التفصيلية يتطلب توفير التمويل اللازم لها كي تسيرحسب الوقت المخطط.
أزالت عملية طرح السندات كل التشويش والضجيج المفتعل في الفترة السابقة بما يخص الاستثمارات العملاقة التي يتم العمل عليها وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك انفتاح شهية المستثمرين الدوليين وترقبهم للفرص الاستثمارية القادمة من السعودية في ظل قلة الفرص في الأسواق الأخرى وخصوصا ما يعرف بالأسواق الناشئة.
عرفت الأسواق أيضا أن الخطط السعودية مرنة ولديها بدائل متى ما دعت الحاجة. فطرح أسهم “أرامكو” الذي تأجل لأسباب مختلفة، ظهر له بديل مرحلي عبر قيام أرامكو بشراء حصة صندوق الاستثمارات العامة في شركة سابك وبعد ذلك طرح السندات لتمويل جزء من الصفقة. هذه المرونة التي ظهرت كانت ذات أهمية كبرى لتوضيح أن الخيارات المختلفة متوفرة ومتينة في سبيل استمرار العمل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
ومن نافل القول أن المواقف السياسية والحملات المغرضة منذ أكتوبر الماضي تلاشت حيث رأينا البنوك والمؤسسات المالية الدولية تهرول نحو سوق الأسهم السعودي بعد ترقيته مؤخرا ثم مشاركة أكبر البنوك العالمية في عملية طرح السندات والترويج لها.
من الناحية العملية التفصيلية، أفصحت أرامكو عن أرقامها المالية التي أظهرت أكبر أرباح في العالم وهو ما لم يشكل مفاجأة بحد ذاته، لكن التفاصيل المالية الأخرى كانت ذات أهمية كبيرة لتوضيح الكلفة المنخفضة لاستخراج النفط بالمقارنة مع شركات النفط الأخرى بالإضافة إلى حجم الاحتياطيات النفطية المثبتة وكفاءة الأداء في الشركة. أي أن اللعب في أسواق المال أصبح على المكشوف وتقدمت أرامكو لتحصل على تصنيف ائتماني وحصلت على درجة مرتفعة رغم أنها كانت أقل من نظيراتها النفطية بسبب ارتباط الشركة بالحكومة، وهذا مفهوم.
لكن رغم ذلك جاء الإقبال على شراء السندات كبيرا جدا مما خفض من تكلفة الإصدار لا بل أدى إلى تراجع العائد على السندات السيادية السعودية إلى أدنى مستوى في عام. بمعنى آخر، ساهمت سندات أرامكو في تخفيض تكلفة الدين السعودي السيادي ذو الأجل الطويل.
ذهبت بعض التحليلات التي انتشرت بعد انتهاء طرح السندات الى استنتاج أن أرامكو قد لا تحتاج فعليا إلى طرح أسهمها للاكتتاب حيث أنه يمكنها إصدار المزيد من السندات للحصول على المبلغ المطلوب وبكلفة أقل. هذا ممكن ولكني أظن أن طرح الأسهم ما زال له أهمية لا تقتصر على الحصول على التمويل بل تتعداه إلى شراكات استراتيجية وتطويرية للشركة التي تريد أن تصبح شركة طاقة وبتروكيماويات عملاقة وليس مجرد أكبر شركة نفط في العالم.
كنت أطالب قبل سنوات بانتظار التغيير في الاقتصاد السعودي وعدم جلده ذاتيا لأنه يملك كل المقومات والخطط الطموحة لتحقيق أشياء كثيرة. اليوم أقول أنه يجب النظر بإعجاب إلى ما حصل في عملية طرح سندات أرامكو كملخص لمَ جرى في الاقتصاد السعودي ككل. أصبحنا أمام اقتصاد يخطط بشكل استراتيجي بعيد المدى وينفذ الخطط ويملك بدائل عند تعثر أي من المشاريع. اقتصاد مرن يعمل في الساحة الدولية بشفافية. اقتصاد يترك بصمة في ساحة الاستثمارات في الاتجاهين. عند الاستثمار في الخارج تجده لاعبا رئيسيا، وفي جذب الاستثمارات وجدناه عملاقا.
لا شك أن أموال النفط كانت مهمة جدا واستخدمت سابقا في بناء الدولة ونهضتها. واليوم ما زالت مهمة ويتم استخدامها بفعالية لتنويع الاقتصاد وبناء المرتكزات القوية التي سيقوم عليها اقتصاد المستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال