الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما ركز المهتمون بالتعليم العالي وتطويره على هدف “مواكبة التعليم لسوق العمل”، وتناول التعليم وسوق العمل كمتغيرين لابد من أن يسبق فيهما الأول الثاني. يتضح ذلك جليا في النقاش الثقافي السعودي ويتكرر كثيرا في التجمعات المهتمة بالتعليم الجامعي، ومن ذلك ما يتم مناقشته والتوصية عليه سنويا في المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي. بعيدا عن نقاش الجدوى من ربط التعليم بسوق العمل من عدمها، قلة من المهتمين من يناقش قلب هذين المتغيرين وتمكين سوق العمل من المبادرة في الارتقاء بالتعليم. إن رمي كرة قياس وتحديد المستوى العلمي والمهني للخريج الجامعي في ملعب سوق العمل ثم تأهيله، إن أمكن، وبالتالي توظيفه يمكن أن يسهم في التقليل من أهمية الاعتماد على مؤهل الخريج ومعدله ونتائجه في الاختبارات المعيارية حتى يصل بنا الطريق لتحقيق غاية التعليم المتمثلة في الإثراء العلمي وبناء المعرفة. هذا بالإضافة إلى احتمالية كونه أجدى عمليا لأرباب العمل وأوفر اقتصاديا لميزانية الدولة.
عادة ما يبدأ الطالب مسيرته في الجامعة وعينه على سوق عمل يميز بين طالبي الوظائف بحسب مؤهلاتهم ودرجاتهم في الاختبارات الجامعية وما بعد الجامعية (قياس)، فيسابق أقرانه لتحقيق هذا الهدف حتى يصبح الحصول على الدرجات العالية في الجامعة هي الغاية بدلا من أن تكون الوسيلة والمقياس لرفع المحتوى العلمي والمهني لديه. ومعظم من امتهن التدريس الجامعي يعلم أن الدرجات العالية في الجامعة لا تعني بالضرورة مستوى علمي عال وإلا لما وجدت الاختبارات المعيارية ما بعد الجامعية، والتي يطول النقاش في قصورها هي الأخرى من ناحية فاعليتها في فرز المؤهلين من الخريجين وجدواها الاقتصادية.
إن تمكين سوق العمل، المرن نسبيا قياسا بالنظام التعليمي الجامعي، من المبادرة لابتكار آلياته الخاصة لقياس المستوى العلمي والمهني لدى الخريج قد يكون الحل لكثير من مشكلاتنا الحالية. فسيتحول تركيز الطالب الجامعي إلى رفع مستواه العلمي والمهني بدلا من غايته في الحصول على الدرجات العالية سواء صاحبه اثراء علمي ومهني أم لم يصاحبه. بل إن الطالب هنا يتحول إلى “عميل” حريص على جودة المنتج التعليمي الذي يتلقاه، مما يقلل كثير من الأعباء والمشاكل المتعلقة بتدني كفاءة البرامج الأكاديمية وإنتاجية الأستاذ الجامعي ومراقبة أداءه التدريسي، حيث أن رضا “العميل” سيكون معيارا أكثر فاعلية ومصداقية في تقويم الأداء التدريسي. هذا بالإضافة إلى كونه محفزا للطالب على تحمل المسؤولية التعليمية وتشجيعا له على التعلم المستمر، ودافعا للأستاذ الجامعي على تركيز جهوده في تطوير المحتوى العلمي والمهني ومواكبته لسوق العمل بدلا من ضياع الجهود في الأعباء الأكاديمية الأخرى المشتتة. من الفوائد المحتملة كذلك أن يتم الاستغناء عن الاختبارات المعيارية ما بعد الجامعية وما تحمله من عمومية وعبء اقتصادي، ليحل محلها آليات قياس مبتكرة ومتخصصة في المجال والنشاط المراد العمل فيه.
لا يختلف اثنان على وجود فجوة بين التعليم وسوق العمل، وبعد سنين من المحاولات الغير ناجحة لسد هذه الفجوة أعتقد أنه حان الوقت لإعادة النظر في جدوى وطريقة تناولنا لهذه المعضلة والتي تركز على التعليم كمتغير يجب تطويره للحاق بسوق العمل بأن نتيح لسوق العمل قياس وتأهيل الخريج الجامعي. ربما لا يوجد وقت أنسب من مسعى كهذا خاصة مع مشاريع التغيير الناجمة عن رؤية 2030 وأهدافها من خصخصة وغيرها. بل ربما يكون هذا أقرب مسلك لتحقيق الهدف المنشود في مواكبة التعليم لسوق العمل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال