الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلن معالي وزير العمل من خلال حسابه في تويتر قبل أيام أن الوزارة نجحت في توظيف 27ألف خلال شهرين، كما ذكر في نفس التغريدة أن الوزارة لن تتهاون مع مخالفي أنظمة توظيف المرأة. الحقيقة أن تغريدة معاليه تجمع بين الكم والكيف في التوظيف، لكن هل واقع التوظيف الذي ذكره معاليه وما سبقه من إعلانات توظيف تحقق فعلا جودة التوظيف؟؟.
من المؤكد أن الوزارة تسابق الزمن لتحقيق هدف رؤية 2030 بخفض البطالة في فترة التحول إلى 9% أي بعد عام من الأن، في حين أن البطالة حسب أخر إحصاء رسمي 12.7%، وهو ما يجعل تحقيق ذلك الهدف البسيط شبه مستحيل. الكم هو ما تسعى لتحقيقه وزارة العمل خلال الفترة القادمة، لذلك هي تحرث سوق العمل بطول المملكة وعرضها بفرض توظيف السعوديين في كل مهنة متاحة بالقوة. وتفرض الغرامات على المنشآت التي لا تلتزم بقرارات السعودة بصرامة غير مسبوقة. راضي تمام الرضى عن أداء وزارة العمل في هذا الجانب.
وسعيد جدا بكل وظيفة يشغلها سعودي وسعودية مهما كانت، فهي خطوة في طريق طويل جدا يجب أن نسيره ونتحمل مصاعبه جميعا. لكني أرى أن الوزارة تركز جهودها على الكم دون الكيف والجودة. فانخفاض البطالة المؤشر الأصدق على جودة التوظيف، وهو ما لم يتحقق حتى الأن، ولن يتحقق كما تخطط له الرؤى في المنظور القريب؛ لأن كم الوظائف الكبير الذي يعلن عنه طوال سنوات لم يحقق الهدف المنشود. بكل بساطة التوظيف لا يحقق الجودة الكافية للتأثير في البطالة.
جودة التوظيف تتطلب توافق التخصص مع الوظيفة، أو على أقل تقدير تكون قريبة منها قدر الإمكان، وألا يكون الفارق بين المستوي الوظيفي والمستوى الدراسي كبيرا بدرجة تشعر الموظف بالإحباط وعدم الثقة والنقص وعدم التقدير.
ويظل الأجر أهم مؤشرات جودة التوظيف، فتوافق الأجر مع طبيعة الوظيفة أولا، ومع مؤهلات الموظف ثانيا، وبما يكفل مستوى معيشي كريم يستطيع من خلاله الموظف عيش حياة طبيعية دون أن يكون مضطرا للبحث عن مصدر رزق أخر، أو يبني حياته على القروض.
كما أن من أّهم عوامل جودة التوظيف الأفق الواضح للوظيفة، بحيث يكون مجال تطور الموظف ونموه واضحا، وفي الحد الأدنى أن تكون علاواته والزيادات في الراتب والمكافآت والبدلات واضحة له منذ البداية، فلا يستجدي تحسين أوضاعه ولا يدري ما تكون حاله في المستقبل، فتزداد نفقاته بمرور الوقت بينما دخله شبه ثابت.
والأمان والاستقرار الوظيفي من أهم مقومات الحياة السعيدة قبل أن يكون من أهم عوامل جودة التوظيف. فالعقود المؤقتة، أو التي تجدد سنويا، أو أن يظل الموظف تحت طائل الفصل والتسريح دون أسباب واضحة، كلها أمور تقض مضجع الموظف، وتضعف جودة التوظيف.
ظروف العمل وطبيعته أو ما تعارف على تسميته (بيئة العمل)، والتي تشمل المكان والعلاقات والأنظمة، بحيث تناسب طبيعة العمل، وتحفظ كرامة الإنسان، وتناسب خصوصياته، هي ما يساعد الموظف على أداء عمله بكل سهولة ويسير دون الشعور بالضغوط. وفي هذا الجانب تكون العلاقة الطبيعية الواضحة بين الموظف ورؤساؤه من أهم عناصر جودة التوظيف. كذلك أن يكون الموظف مرحبا به في عمله من زملائه، وألا يكون وجوده بينهم كالغريب في بلاد الأعداء.
ومن جودة التوظيف التي أظن أن من الغريب ذكرها، أن يكون للموظف عملا يقوم به فعلا، وألا يكون مجرد اسم ورقم وطني وصوره في المكان لإكمال الأوراق الرسمية.
لكل العوامل السابقة التي شاهدت عكسها تماما في سوق العمل وسألت عنها بعض الشباب والشابات، أؤكد أن التوظيف الذي تقوم به وزارة العمل يفتقد للجودة، ويجعل الكم هدفها الأول. لذلك تظل وظائف من قبيل الاستقبال وخدمة العملاء والتسويق والبائع هي الوظائف الأكثر التي توظيفا ، وربما كان دعم صندوق الموارد البشرية للرواتب السبب الأول في قبول الشباب بها.
وإلا ماذا يعني أن يعمل مهندس ميكانيكي في الزراعة براتب عامل؟ أو أن تعمل فتاة في محل أدوات بناء بين العمال في مكان لا يناسب أي فتاة في العالم؟
أكرر هذا النوع من التوظيف لن يساهم في خفض البطالة، ولا تحقيق السعودة؛ لأنه بكل بساطة لا يضمن الاستمرارية وستظل حلقة التوظيف والتسريح (ترك العمل) مستمرة.
الشروط السابقة لن تتحقق في الشركات الصغيرة ومعظم المتوسطة، لذلك يجب التركيز على الشركات الكبيرة. كما يجب التركيز على الوظائف النوعية، وتحديدا التخصصية الدقيقة التي سمعنا عن اتفاقياتها ولم نرى نتائجها بعد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال