الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعد التسويق من أهم ركائز التجارة ليس فقط في العصر الحديث، إنما منذ نشأتها، ولنا في ذلك مثال من التاريخ الإسلامي لاتزال كلماته “العذبة” تصدح بها الحناجر وهو قول الشاعر:
قل للمليحة في الخمار الأسودِ @@@ ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد
ويروى أن سبب هذه الأبيات هو شكوى تاجر من أهل الكوفة قدم للمدينة لبيع “الخمارات العراقية السوداء” لصديقه “الدارمي” _وهو شاعر “ظريف” في عصره_ عن تكدس الخمارات السود وضعف بيعها، فضحك “الدارمي” ونظم بحنكة تجارية عدة أبيات تسببت ليومنا هذا في “تأطير” الذوق العام، وهذه دلالة منذ مئات السنين على أهمية العنصر التسويقي الذي كان الشعر أحد أدواته في الماضي.
بلا شك تطورت قنوات التسويق على مر العصور، وكانت الصحف منذ نشأتها في عام 1609م تلعب دوراً كبيراً إلى أن أتى الراديو عام 1922م ليصبح أحد أهم أدوات الدعاية والإعلان، ومن بعده أتى التلفاز عام 1927م، ونقل طرق الدعاية إلى مستوى مرئي متميز حتى جاء “الانترنت” الذي نال نصيب الأسد من الدعاية والاعلان عند مستوى ( 44.7%)، وتسبب في وقوف الدعاية في الراديو عند مستوى لا يتجاوز ( 8%)، والمجلات عند مستوى ( 5.6 %)، والصحف عند مستوى ( 6%)، والتلفزيون عند مستوى ( 30.6%) في 2019م.
ومن ثم تطورت تطبيقات التواصل الاجتماعي في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، والتي تعتمد على الانترنت بشكل أساسي وأصبح لدى الكثير من الناس الهوس لكل ماهو جديد في عالم التطبيقات، حيث يتصدر تطبيق (سناب شات) الساحة بنسبة مستخدمين تعادل (9 مليون) فرد في المملكة، (55٪ ) منهم من النساء، ويعد سكان مدينة الرياض وجدة من أكثر المستخدمين، حيث أن متوسط استخدام الكاميرا هو (40 مرة) في اليوم، وهو أعلى من متوسط الاستخدام العالمي للكاميرا عند متوسط (25 مرة) باليوم.
لذلك تعد “ظاهرة” مشاهير التطبيقات محل اهتمام خصوصاً في المملكة لملاحظة أخذها حيز كبير في الدعاية والإعلان والتي قد يتسبب في انقراض تخصص علمي حيوي “كالتسويق”، والقذف بمتخصصيه إلى وحل البطالة. كيف نشأت هذه الظاهرة الاجتماعية؟ وكيف أصبحت ذات سطوة ؟
انتشرت تطبيقات “الواقع الافتراضي” قبل عدة أعوام في بداية الألفية، ووجد فيها الكثير من الذين لايملكون المهارات اللازمة على اختلاف طبيعتها “واقع” يتجسد من خلاله “الحلم”، فنشطت شركات ألعاب العالم الافتراضي لاكتشافها سوق “الظلام” الذي يرغب مرتاديه في خلق عوالم خاصة بهم على الشبكة العنكبوتية، ولوحظ في تلك الفترة انجذاب الكثير من الذين لم يوفقوا في حياتهم الاجتماعية أو العلمية أو العملية لهذه العوالم الافتراضية.
تطورت هذه الحالة من “الواقع الافتراضي” مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، ومن هنا “انتقلت” حمى نقل هذا العالم الافتراضي للغير لمشاهدته، فعجت ظاهرة “تقمص” حياة الرفاهية الاجتماعية والمادية ومنتجاتها في حسابات الكثير من الأشخاص الذين يحاولون “جذب” الآخرين بإعطاء صورة “متكلفة” عن مايفتقدونه، وهي صورة غير حقيقية في الأصل، حيث أن “كثافة” عرض حياتهم الشخصية من السهل أن تفسر بضعف كبير في الشخصية يحاولون من خلاله ترسيخ “الصورة المتكلفة” عنهم .
علاوة على ذلك، يلعب عنصر الفضول والحاجة لتضييع الوقت دور كبير في تصفح بعض الأفراد لمواقع التواصل الاجتماعي، وقد يكون سبب ارتفاع نسبة البطالة في المملكة خصوصاً لدى النساء، سبب في انتشار هذه الظاهرة التي تتغذى على عامل الوقت بشكل كبير، لكن أن تصل هذه الظاهرة إلى مرحلة “استغلال“ الشركات المحلية لبعض مشاهير “الفراغ” لتسويق بضائعهم وإثقال كاهل ذويهم فهذا شيء يدعو للتأمل!
تجارياً، يلعب عدد المتابعين “للفوضويين” أو “الظرفاء” أو “ الأثرياء” أو “أصحاب النشاز” وغيرهم في الذوق العام مسبب مهم خلف تحول (سناب شات) من خلال “متكلفيه” إلى أداة تسويقية يلجأ لها التجار الراغبين بخلق “نزوة” تعريفية أو تجارية لمنتجاتهم. بلاشك، هذه الأعداد من المتابعين هي “المحور” المهم، بغض النظر عن الشخصية ومصداقيتها التي يلعب الذوق العام “السلوكي” للمجتمع دور كبير في رفع عدد متابعيه، وهنا من الممكن الاستفادة من قوانين المحافظة على “الذوق العام” التي فرضتها دولة الإمارات الشقيقة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للحد من أي “نشاز” قد يؤثر “سلباً” على المجتمع.
لكن من منظور حوكمة “صرف”، لابد من اخضاع التبادل التجاري “للأموال” مابين المعلنين ومشاهير التطبيقات للكثير من التنظيم المسبق والفحص والتدقيق، أو قد تكون عرضة “لظاهرة” غسيل الأموال التي تنشأ عند ضعف الرقابة المالية في أي قطاع، فعلى سبيل المثال، لماذا لايكون هناك جهة مسؤولة عن تنظيم المحتوى الدعائي للشركات التي تلجأ لمشاهير التطبيقات، بحيث تكون هذه الجهة هي نقطة الانطلاق الأولى لأي معلن، ويتم من خلالها فحص محتوى الإعلان وانسجامه مع الذوق العام، ومراجعة سجلات المشاهير والتأكد من “توفر” التأهيل الأكاديمي المخول للممارسة، ومراجعة العقود والمبالغ المرصودة قبل انطلاق أي إعلان أو اخضاع المخالفين لغرامات “رادعة”. إضافة إلى ذلك، لابد من أن تكون هناك جهات مسؤولة عن مراقبة حملات “أكواد” التخفيضات والتأكد من صحتها قبل السماح بالإعلان عنها، فالكثير من أفراد المجتمع وقعوا “ضحايا” لهذه الظاهرة بسبب بعض مشاهير التطبيقات.
إن غياب الجهات التنظيمية والرقابية وعدم اشتراط التأهيل الأكاديمي قد يكون المسبب الرئيسي في تفشي “ظاهرة” التسويق من خلال مشاهير التطبيقات التي وصلت لمشاهير القطاعات الأخرى كالغناء والتمثيل، استغرب “حقيقة” ضعف حضور “الشعراء” في دخول هذا المجال التجاري حتى الآن ! بلاشك، تغيرآليات الدعاية والإعلان وكونها “ديناميكية” تتغيير مع تغيير عنصر الزمان والمكان يتطلب من الجهات التنظيمية ذات العلاقة أن تكون أكثر “تفاعلاً” لتواكب واقع التجارة المتغير بوتيرة من الصعب التنبؤ بها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال