الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ربما أكثر شكوى نسمعها من الرواد في منظومة ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة هو وفرة المشاريع وعدم وجود تمويل. بينما أهل المال يقولون بأن التمويل متوفر ولكن المشاريع المقدمة لا ترتقي لمستوى ان تُموّل.
كيف ممكن ان تكون المشاريع موجودة والأموال موجودة ولا يلتقيان؟ أين تكمن المشكلة؟
كثير من روّاد الأعمال يطرقون أبواب الجهات التمويلية الخاطئة او بالأسلوب الخاطئ، أو بتقديم معلومات ناقصة أو غير مناسبة بسبب عدم درايتهم بالفروقات الأساسية داخل سوق الائتمان (سوق النقد وسوق رأس المال) أو الفرق بين سوق الائتمان القائم على الضمانات وسوق التمويل الجريء القائم على جدوى المشاريع.
من المهم للرواد أن يكون لديهم دراية بهذه الفروقات وكيفية التعاطي معها. ففي سوق الائتمان – على سبيل المثال – يوفر سوق النقد أو المال تمويلًا قصير الأجل. هنا، يستفيد روّاد الأعمال من هذا النوع من القروض المصرفية لصالح منشآتهم مقابل ما يقدموه من ضمانات. ولكن هذا النوع من القروض ليس متاح دائما خاصة في مجال تقنية المعلومات حيث ان مثل هذه المشاريع في الغالب لا تملك أصول ثابته لتقدم كضمانات. وفي حال توفر هذا النوع من التمويل فإن الرواد ربما لا يحصلون على القرض المناسب او يدفعون أسعار فائدة عالية بسبب المخاطر العالية للمشاريع الناشئة نظرًا لأنها – في العموم – لا تتحلى بمعدلات عمرية عالية إضافة للتباين المتفاوت والمتذبذب في الربحية والنمو المستقبلي خاصة في بدايات المشاريع.
أما سوق رأس المال – والذي يُعد عادةً الأرض الخصبة للشركات الكبرى – فالغرض منه هو جمع رأس المال (سوآء تأسيسي او تكميلي او توسّعي) عن طريق إصدار أوراق مالية في شكل أسهم أو ديون. وهذا السوق غير متاح لدينا للرواد حاليا. وبالرغم من وجوده في مناطق أخرى في العالم مثل أوروبا يظل – في حال تواجده لدينا – اختيار صعب أن يلجأ له الرواد بسبب ارتفاع متوسط تكاليف المعاملات وصعوبة متطلبات الإدراج والأطر القانونية والتنظيمية المعقدة كما هو الحال في أوروبا.
في ظل هذه التحديات التي تَحول دون إتاحة التمويل للرواد في سوق الائتمان – إضافة أنه عادة ليس السوق المناسب خاصة للمبتدئين والمنشآت الناشئة – لا يكون أمام الروّاد سوى محاولة الحصول على التمويل من خلال ما يعرف باسم “التمويل القائم على جدوى المشروع”. هنا، المستثمر الفردي (او ما يعرف بالملائكي) او المستثمر المخاطر (او ما يعرف بالمستثمر برأس المال الجريء) يكونوا الاختيار الأفضل للتواصل معهم لعدة أسباب من أهمها معرفتهم في التعامل مع الرواد، ادراكهم لمفهوم الحراك المعرفي، ومن ثم ايمانهم بفكرة المشروع أو فرصة مضاعفة الأرباح من خلال الاستثمار في هذه المشاريع الجديدة.
وبالرغم من أن هذه الفئة من الممولين – من حيث المبدأ – على استعداد لتوفير فرص تمويل لأصحاب المشاريع الناشئة او القائمة (الصغيرة والمتوسطة)، الا انهم لا يقلوا صرامة عن سوق الائتمان في البحث والتدقيق بتقصي الحقائق بتفاصيلها حول رواد الأعمال وظروفهم وظروف منشآتهم في إطار ما يعرف بالتحقق من نفي الجهالة. ويظل هذا النوع من المستثمرين لا يلائم بعض الرواد من أصحاب المشاريع التي لا تتحلى – على سبيل المثال – بتكاليف مراقبة منخفضة. إضافة، يركز هؤلاء المستثمرون على الاستثمار في الصناعات الإنتاجية. علاوة على ذلك، التحرك نحو الاكتتابات العامة يمثل اتجاهًا مهمًا للمستثمرين المخاطرين ومثل هذه المشاريع ربما لا تضمن مثل هذا التوجه مستقبلا.
كما نرى، الاحجام عن التمويل سوآءا بالإقراض أو الاستثمار من المواضيع المهمة للرواد وفهمه جيدا يعطيهم الفرصة لاتخاذ القرار المناسب بغرض الإجابة على أسئلة مثل لماذا وكيف وما هي المعلومات الواجب تقديمها ومع من يتواصلون اعتمادا على خططهم التأسيسية والتوسعية المستقبلية.
خلاصة القول، التمويل تحدي معرفي في المقام الأول. رواد الأعمال بحاجة إلى التعليم والتدريب والتوجيه والارشاد الجاد والمحترف في هذا المضمار لكي لا تكون تحركاتهم عشوائية ولا تواكب رؤيتنا الطموحة، وبالتالي يضيع الجهد والوقت والمال.
لو تمعنّا جيداً في قراءة الرؤية 2030 لوجدنا أننا نتمتع بمساحة واسعة جدا للإبداع في العمل وبطرق غير نمطية، فالرؤية أتاحت لنا المجال لمراجعة كل برامج تأهيل الروّاد التعليمية والتدريبية لتحقيق استراتيجيتها بأن نفيد الريادي بالمعلومة التي يحتاجها في التواصل مع الجهة التمويلية الأفضل لمشروعه وكيفية وطرق التواصل.
الاستجابة لمتطلبات الرؤية 2030 في رفع مستوى مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الى ٣٥٪ بحلول عام ٢٠٣٠ تتطلب ان نعمل بشكل ريادي وغير نمطي وهنا توجد فرصة رائعة لدور ريادي لكليات الأعمال في جامعاتنا وبالتعاون المباشر مع الممولين في وضع البرامج التدريبية التي تتطلبها المرحلة. ليس فقط لتأهيل رواد أصحاب منشآت ولكن ايضا مسؤولي تمويل واستثمار لا يقل دورهم أهمية في عمل تكاملي نحو اقتصاد أقوى وأكثر فاعلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال