الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التسويق السلبي ليس كذبة وليس مجرد تحليلات، بل هو حقيقة واقعة، فقد أثبتت التجارب أن الممنوع مرغوب، وقد يؤيدني من عاصر معرض الكتاب في انطلاقته الأخيرة قبل عدة سنوات. كنا نبحث (فقط) عن الكتب الممنوعة والتي لا تباع في المكتبات المحلية، وبالتالي نستلم الكتاب من تحت طاولة دار النشر الأجنبية ونحرص أن نضعه في كيس حتى لا يرانا أحد.
كلنا نعلم أنه من المستحيل على مفتشي وزارة الإعلام أن يراقبوا على ملايين الكتب التي تدخل للمملكة مع دور النشر المشاركة في معرض الكتاب، وأيضاً الرقابة داخل المعرض كانت من سابع المستحيلات. الوسيلة التسويقية لبيع أكبر عدد من نسخ الكتب هي (المنع)، نعم، المنع هو الوسيلة الأبسط للوصول إلى جميع فئات المجتمع، حتى غير القارئ وغير المهتم، سيشتري الكتاب لأنه ممنوع عنه، فيقول أحدهم: (قطعت 250 كيلومتراً لشراء كتابين من تأليف الكاتب العراقي علي الوردي) وعندما ناقشته في المحتوى بعد عدة أشهر اكتشفت انه لم يقرأها، اذاً كانت شهوة شراء فقط!! ولم يكن نهم قراءة وإطلاع.
في منتصف عام 2016 كنت في جولة بالسيارة بمدينة أمستردام العاصمة الثانية لهولندا، مع أكاديمي وعميد كلية مرموقة هناك، وأخبرني مستئذناً أنه سيمر بالسيارة على منطقة تسمى (الحي الأحمر) وهي منطقة (السماح) بجميع الذنوب والموبقات والممنوعات في القانون الهولندي، مثل الدعارة وتعاطي المخدرات وغيرها من الأمور، ولكنه أخبرني أنه سيمر سريعاً ولن نغادر السيارة حتى لا يراه أحد يعرفه هناك فتتأثر سمعته كأكاديمي، وبعد مرورنا السريع من المنطقة، فسألت الرجل، (ماهو تفكير الحكومة في وضع بؤرة للرذيلة، أنا أرى انها قرار خاطئ وسيؤدي إلى تحول شباب البلاد إلى مدمنين).
تفاجئت برد فعل الرجل، فقال مدافعاً بكلمة باللغة الهولندية لم أفهمها فترجمها للإنجليزية بما معناه (الممنوع مرغوب) ثم سرد لي احصائيات عن الإنخفاض الكبير في أعداد المدمنين وحتى الانخفاض التدريجي في عدد المسجلين لممارسة الدعارة خلال الـ25 عاماً الأخيرة، وكان كل ذلك بسبب تحدى الحكومة لطباع البشر حيال (الممنوع مرغوب) فعندما أصبح الممنوع مسموحاً، لم يعد له بريق كما كان في السابق فإنخفض الإقبال عليه. وهذا مالاحظته فعلاً عند مروري هناك، كانت الشوارع خالية إلا من متسكعين قلة، ويبدو أن بعض المحلات مغلقة مؤخراً بسبب الخسائر!!!
درجت ام بي سي MBC، ابتداءً من مسلسل طاش ما طاش ومالحقه من مسلسلات مثيرة للجدل على تقديم اثارة تتحدى المجتمع المحافظ وقتها، حيث انتقل انتاج وبث طاش ما طاش الى مجموعة ام بي سي بعد أن استمر عرضه في التلفزيون السعودي لسنوات طويلة. وبمجرد الإنتقال كان التسويق السلبي هو سيد الموقف حينها، وذلك بتركيز التسريبات على الحلقات التي ستعرض أموراً تلمس قضايا الساعة الخلافية، والقليل منها هادفة ونتذكر منها، مشهد الولد الداعشي الذي يقتل أباه، أما الأغلبية كانت مجرد مشاهد وقصص مثيرة بإنتاج ونص ضعيف. ثم جاءت مسلسلات مثل غرابيب سود، وغيرها من المسلسلات المثيرة للجدل، التي كان لتسريب مشاهد منها + هاشتاقات سلبية، دور كبير في التسويق لها وبالتالي رفع عدد المشاهدين، والذي أدى إلى ارتفاع عقود الدعاية للحلقات و للأجزاء القادمة من المسلسل، فلم يكن إرتفاع الدخل ناتجاً عن ارتفاع تكلفة الإنتاج، بل كان ناتجاً عن بطء تفكير وتحليل لدى المشاركين بهاشتاق (مجاني 100%).
والحقيقة أن هذا النوع من التسويق السلبي لا ينجح إلا في المجال الإعلامي، فمثلاً لا يمكن لبائع أن يسوق لمواد غذائية منتهية الصلاحية، فيستخدم الدعاية السلبية ليجذب الناس للمنتج بما يعيبه. أما في الإعلام لمجرد وجود (هاشتاق) عدائي يجيش الأخ ضد أخيه، فينحاز الكاره للقناة للمعسكر الأخر، والعكس صحيح، فتجد الكاره المتغرض قبل المحب، يحرصون جميعاً على مشاهدة المسلسل، أحدهم يدون الإيجابيات والأخر يترصد للسلبيات!! ويعرضون هذه المشاهد في هاشتاقات جديدة يسلون بها صيامهم خلال رمضان.
كل ما سبق ربما يعرفه البعض ويجهله البعض الأخر، ولكن الأهم أننا نتفاجئ بعد تجاوبنا مع هذا التسويق السلبي أن محتوى المسلسل أقل من ما كنا نتوقع، بل ان بعض مشاهد المسلسل وحلقاته تعتبر نوع من أنواع (التلوث البصري) مقارنة بمسلسلات نتفلكس مثلاً، وبصراحة أعتبر أن دراما ام بي سي السعودية هي مسلسلات (تجارية) بحتة، رغم ضخامة الموازنات.
ما أتمناه في هذا الشهر الكريم، أن نرتقي بفكرنا، ولا ندع مجالاً لأباطرة التسويق باللعب في مشاعرنا وتحريكها كأننا دمى، فلنكن متحضرين ونتكاتف مع المتدين والكاره والمحب لهذه القناة ضد أعداء الوطن. ويجب أن نعلم جميعاً، أن صناعة الدراما السعودية والفيلم السعودي لن ترتقي بهذه الطرق التسويقية الرخيصة، لابد أن تكون هناك بيئة وبنية تحتية قوية لتأسيس الصناعة على أسس أخلاقية، تدعم التلاحم الوطني، وتبرز مواطن قوة المملكة، وتكون قوة ناعمة في وجه الأعداء، وهذه أمور لن ينفذها إلا ابن البلد، وليس (توني) ولا (ميشيل)، لأنهم أهل مبدأ (أكل فطير وأطير)، وكل عام والوطن بألف خير.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال