الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثير منا يعتقد أن خدمة السكك الحديدية أو القطارات ذات عوائد مادية مجزية للمستثمر، ووسيلة لزيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة ومواصلة تحقيق زيادة عادلة في دخل الفرد وتوفير الخدمات للمواطنين والمستثمرين في الوقت نفسه وبالتكلفة المناسبة، وترشيد الإنفاق العام والتخفيف عن كاهل ميزانية الدولة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص بتمويل وتشغيل وصيانة هذه المشاريع. لكن العجيب أن بعض التقارير تقول عكس ذلك !
في تقرير نشر مؤخراً في صحيفة بيزنس إنسايدر الأمريكية عن شركة Amtrak التي تقدم خدمة السكك الحديدية والتي تعمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة. مع حوالي 500 وجهة، حيث أن الخدمة تعمل منذ عام 1971م. ولكن مع ارتفاع تكاليف التذاكر، أصبحت شركة Amtrak وسيلة النقل الأقل قابلية عند الناس. في الواقع، غالبًا ما يكون ركوب قطار Amtrak من مدينة نيويورك إلى بوسطن أعلى من تكلفة الطيران. إذن؛ لماذا أنشأت الولايات المتحدة نظام قطار باهظ التكلفة وغير فعال؟
في الحقيقة، هذه الشركة لديها تاريخ طويل مع عدم الاستقرار المالي منذ تشكيلها. كانت قطارات الركاب مملوكة لشركات خاصة تدير قطارات الشحن. وفي بداية القرن العشرين، سافر على متنها ما يقرب من 42 مليون راكب، واعتبرت كوسيلة أساسية للنقل. وبحلول الأربعينيات من القرن العشرين أصبحت السكك الحديدية أقل شعبية مع تزايد شعبية الحافلات والطائرات والسيارات. وبحلول الستينيات، أوقفت العديد من خطوط السكك الحديدية معظم قطاراتها، مثل (Penn Central and Atchison, Topeka & Santa Fe Railway). لم تعد قطارات الركاب مربحة خاصة عندما بدأ مكتب البريد الأمريكي في شحن البريد عن طريق الشاحنات والجو.
وفي محاولة لإنقاذ الخدمة، وقع الرئيس نيكسون قانونًا في عام 1970م يضمن التمويل الحكومي. حيث أنشأ هذا القانون شركة تسمى بـ (National Railroad Passenger Corporation)، والتي أصبحت في نهاية المطاف شركة Amtrak. من بين 26 خط سكة حديد تقدم خدمة نقل الركاب. وعلى الرغم من أن خدمة السكك الحديدية استمرت، إلا أن مشاكلها المتعلقة بالركاب وعدم الاستقرار المالي ظلت قائمة. وطوال أوائل العقد الأول من القرن العشرين، حاولت حكومة الولايات المتحدة جعل Amtrak تتمتع بالاكتفاء الذاتي من الناحية المالية من خلال محاولة زيادة عدد الركاب وتنفيذ مسار سكك حديد النقل الثقيل، الذي يعمل بسرعة قصوى تبلغ 150 ميل في الساعة. لكن خططهم باءت بالفشل، لأن الشركة لا تزال مديونة في ذلك الوقت ولديها نقص في التمويل.
حتى يومنا هذا، وعلى مستوى العالم لا يزال للقطارات هامش ربح منخفض وتعتمد بشدة على الإعانات المالية لتسيير أعمالها. وفقًا لتقرير الشركة للسنة المالية 2017م، بلغ إجمالي إيرادات شركة Amtrak 3.3 مليار دولار. ولسوء الحظ، لم يكن هذا كافياً لجعل الشركة رابحة. ولا يزال لديها خسارة تشغيلية إجمالية قدرها 194 مليون دولار.
وعند الحديث عن شبكة القطارات في السعودية، حيث ستشكل هذه الشبكة العمود الفقري لنظام النقل العام، وسيبلغ طول “مترو الرياض” 176 كم ويتضمن 85 محطة. يتكامل مع شبكة حافلات سريعة بطول 1083 كم، تخدم 776 محطة. بالإضافة إلى قطار الشمال الجنوب (سار) ومشروع قطار دول مجلس التعاون ومشروع قطار الحرمين السريع الذي تم تشغيله مؤخراً. والهدف من هذه القطارات تحقيق عوائد كبيرة ومجزية، وتحقيق نتائج مالية إيجابية من خلال التخصيص، وذلك للحد من وقف الإنفاق الحكومي من ناحية ورفع مستوى الأداء في هذه الخدمات والنشاطات من خلال تبني معايير أداء وتشغيل وربحية تجارية صرفه وتوفير عوائد إضافية للدولة.
وبما أن كل هذه المعايير لن تتحقق إلا عن طريق الاقتراح الذي قدمه صندوق النقد الدولي والذي يوصي برفع الدعم عن أسعار الوقود فقط ! أود أن أقول وبشكل واضح أن قطاع النقل العام في السعودية يعتبر واعد، إلا أن هذه المشاريع الاستراتيجية بحاجة إلى نظرة أبعد بكثير من الاعتماد على توصية واحدة يمكن أن تجر هذا القطاع لمراحل وخسائر يصعب معالجتها، مما يحمل المستهلكون وطأة تقليص هذه الخسائر إن حصلت. وبرأيي أن خلق أكثر من سيناريو وتوصية بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين وتطور التكنولوجيا يمكن أن تجعل من هذا القطاع ربحي ومستدام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال