الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تمتلك المدينة المنورة مزايا تنافسية تكاد لا تستطيع مدينة أخرى منافستها عليها، فهي تمثل مركزاً لاستقطاب ملايين الزائرين سنوياً من حول العالم الذين يفدون إليها للتجديد الروحي والتفكر التاريخي. كما أنها تمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجياً يؤهلها لتكون مركزاً لوجستياً رئيساً خاصة في قطاعات مثل النخيل والتمور كما ورد تقرير تنافسية المدن العالمية الصادر للمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” عام 2014.
على الرغم من تواجد عدد من الجامعات الحكومية والخاصة في المدينة المنورة مثل الجامعة الإسلامية وجامعة الأمير مقرن، إلا أن جامعة طيبة تعتبر من أكبر المؤثرين في اقتصاد المدينة المنورة فهي أكبر مصنع للموارد البشرية في المنطقة بطلاب مسجلين يزيد عددهم عن ال 71 ألف نسمة للعام الحالي 2018-2019، تقدر مشترياتهم السنوية المباشرة بحدود المليار ريال سعودي. كما أنه يعمل في جامعة طيبة ما يزيد عن 6500 موظف أكاديمي واداري، يقدر دخلهم السنوي ما يزيد عن ال 900 مليون ريال سعودي. في الوقت نفسه، تحتضن الجامعة مئات الفعاليات والمؤتمرات سنوياً سواءاً من تنظيمها أو من تنظيم قطاعات حكومية وشبه حكومية في المدينة، حيث استضافت قاعة المؤتمرات وغرف ورش العمل في الجامعة خلال العام الماضي وحده ما يزيد عن مائة ألف زائر. أكثر 80 نادي طلابي في 28 كلية علمية يعملون على فعاليات واجتماعات في مختلف الأنشطة والمجالات بالإضافة لفعاليات الجامعة وشركاؤها الرسمية.
يقدر عدد خريجي الجامعة منذ تأسيسها ما يزيد عن ال 120 ألف نسمة، يمتلكون مالا يقل عن 6 الاف سجل تجاري لمؤسسة صغيرة أو متوسطة. وإذا كانت مساهمة منطقة المدينة المنورة في الناتج السعودي المحلي تقدر ب 7% حسب تقرير للغرفة التجارية بالمدينة عام 2018، فأعتقد أن مساهمة جامعة طيبة المباشرة وغير المباشرة في اقتصاد المدينة لا تقل عن 10%.
على الرغم من تأثير جامعة طيبة على اقتصاد المدينة المنورة من تخريج القوى العاملة، وتوفير الفرص الوظيفية، واحتضان الفعاليات والمؤتمرات إلا أن هذا التأثير لم يدفع لبناء اقتصاد معرفي في المنطقة. معظم الشركات والمؤسسات تعمل في قطاعات معروفة مثل السياحة والضيافة والزراعة بطرق تقليدية. وعلى الرغم من أن هذا ينطبق على أغلب مناطق المملكة إلا أن توغل جامعة طيبة في المجتمع المدني، وتواجدها الجغرافي في المنطقة يجعلها في موقع يمكنها التأثير بشكل أكبر وأفضل في بناء اقتصاد معرفي في المدينة المنورة.
تمتلك جامعة طيبة ما يزيد عن 60 معمل بحثي وأكثر من 10 مراكز بحثية متخصصة، كما أنها أتت خامس جامعة سعودية في عدد النشر العلمي، فهي بلا شك لم تعد تلعب دور الجامعة التي تخزن وتحفظ المعرفة، بل أصبحت تشارك وتساهم في صنع المعرفة خاصة في مجالات الطب والهندسة والتقنية والتربية. المأمول أن تنتقل الجامعة إلى دور أكبر بحيث تكون منصة للابتكار تتفاعل فيها المعامل والباحثين ورواد الأعمال والسوق.
لعبت بعض الجامعات العالمية دوراً مهماً في المساهمة في اقتصاديات مناطقها. بناء الكفاءات، خلق مجالات للمعرفة، تحفيز التداخل بين العلوم والتفاعل بين الأقسام والوحدات كانت أهم ملامح تجربة جامعة جورجيا تك الحكومية والتي ساهمت منذ 1980s في جعل مدينة اتلاتنا ملتقى للابتكار في الجنوب الشرقي من أمريكا. التفاعل مع القطاع الخاص وجلب فروع شركات معروفة كانت أحد أهم ملامح تجربة جامعة تكساس أوستن والتي تمكنت منذ 1960s من توعية وتأهيل خبرات سكان مدينة أوستن والذين ساهموا في جعلها مدينة للابتكار في تكساس.
الحقيقة أن جامعة طيبة خطت خطوات جادة في هذا الاتجاه، فأقرت مؤخراً وثيقة للملكية الفكرية مرنة تعطي معظم ملكية الحقوق للمخترع، واقامت عدد من الفعاليات والمؤتمرات التي تحفز الابتكار، كما أطلقت مسابقة للابتكار وريادة الأعمال على مستوى المدينة شارك فيها ما يزيد عن ال 1500 مشارك تخرج منها ما يزيد عن 15 شركة ناشئة في السنتين الماضية. في نفس الوقت، بدأت الجامعة في بناء وترميم العلاقة مع القطاع الخاص من خلال شراكات مع الشركات الصناعية والتقنية، كما تحاول تشجيع التفاعل بين الأقسام والوحدات. ولأجل بناء نموذج مستدام يضمن التفاعل بين المعامل والباحثين ورواد الأعمال والسوق لسنوات قادمة، أنشأت الجامعة شركة وادي طيبة وأوكلت له إدارة هذا الملف. ويبقى السؤال الذي سوف يجيب عليه المستقبل فقط: ما مدى تأثير ما تعمله اليوم جامعة طيبة على الاقتصاد المعرفي في المدينة خلال العقد القادم؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال