الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ابتكر الإنسان السعودي العديد من البرامج والتطبيقات المتفوقة والمتفردة عالمياً، أواجه بهذه الجملة فريق جلد الذات، وبعض هذا الفريق لم يغادر مدينته الصغيرة في السعودية، ولكنه يظن اعتباطاً بأن الغرب والشرق متقدمون في التكنولوجيا فيما يخص الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، وهذا وهم كبير ربما يعلمه جيداً أصغر مبتعث سعودي عاش في الغرب لسنوات وتلمس الخدمات المتدنية هناك. وبديهياً عند التطرق للخدمات سيتبادر للذهن نظام أبشر الذي يقدم جميع خدمات وزارة الداخلية من إدارة المرور والأحوال المدنية والجوازات وغيرها، وهذه الإجراءات مازالت في الغرب معقدة مطولة ولا توجد منصات متكاملة كما هو حال أبشر.
وعلى ذات السياق تجد أن التوطين الفعال، أو السعودة Saudization وهو يختلف قطعاً عن التطهير أو إلغاء وجود الجنسيات أو الأعراق الأخرى بل هو نظام توازن وعدالة بالكم والكيف، وهذا النظام الذي بدأ في 2003 تقريباً، يعتبر من أواخر إنجازات عهد وزير العمل الراحل غازي القصيبي الذي نتذكر له على سبيل المثال لا الحصر، شركة سابك ودخول الكهرباء للقرى وسعودة وتأنيث المنشآت الصحية وغيرها من الإنجازات العملاقة، وذلك في زمن توليه مناصب وزير الصحة و وزير الكهرباء، وقد انهى مسيرته -رحمه الله- في وزارة العمل التي تم في عهده إبتكار هذا النظام (السعودة) الذي ساهم في توظيف مئات الألوف من الشباب والشابات السعوديين في القطاع الخاص، وكان هذا دافعاً مباشراً للبعض من الشباب السعودي للإتجاه نحو ريادة الأعمال، بعد أن كان القطاع الخاص من التابوهات على الإنسان السعودي بسبب سيطرة (اللوبيات) الأجنبية عليها.
الخلاف دائم وعميق بين (كيفية) و (كمية) تطبيق السعودة، والتي تسمى باللغة الإنجليزية Quantity & Quality حيث كان التطبيق في بادئ الأمر بحوافز للشركات بتحمل نسبة تصل إلى 50% من راتب الموظف السعودي على نفقة الدولة، وذلك لتحفيزهم على تعيين السعودي ومنحه الراتب المجزي الذي يعينه على تحمل تكاليف الحياة، وقد أجريت بحثاً عن نظام مماثل حول العالم ولكن لم أجد شيئاً كهذا سواءً في العالم الأول أو حتى العالم الثاني والثالث!!. حيث لا تضع الدول على كاهلها أي مصروفات مماثلة. وهذا يعزز مبدأ الابتكار السعودي لنظام التوطين (السعودة).
انتقل نظام السعودة تدريجياً نحو الزام المنشآت بتحقيق نسبة معينة تكفل لها مميزات الإستقدام وخدمات أخرى، وبذلك قد تتعطل الشركة عن استقدام عمالتها الماهرة التي تشغل بها مشاريع عملاقة، في حال عدم تحقيقها لنسبة السعودة المقررة والتي كانت تتزايد سنوياً لتحقيق أهداف تقليص نسبة البطالة العالية في ذلك الوقت، لا سيما بعد تقليص أعداد الوظائف الحكومية بعد استحداث الأنظمة الإلكترونية الحديثة، حيث كان مئات الألوف من المراجعين يدخلون إلى الإدارات الحكومية المختلفة يومياً لإنجاز معاملاتهم الورقية والتي قد تستغرق وقتاً وجهداً كبيراً وبالتالي كانت الدولة مضظرة لتعيين أعداد كبيرة من الموظفين لخدمات أولئك المراجعين، وعلى الرغم من ذلك كانت الخدمة أقل من المستوى المأمول. لذلك كان التحول الرقمي خطوة هامة قضت على البطالة المقنعة في القطاع الحكومي بشكل تدريجي.
وصل نظام السعودة مؤخراً إلى سعودة وظائف بعينها، أي أن تقوم وزارة العمل بتحديد مسمى أو مسميات وظيفية محددة بالشركات لتكون حصراً للسعوديين، وقد ظهر النموذج المبكر لهذا النظام في بدايات السعودة، عندما تقررت سعودة إدارة الموارد البشرية بنسبة 100% وقد خلق ذلك عشرات الألاف من فرص العمل للشباب السعودي كمعقبين ومشرفين وأخصائيين ومدراء إدارات ومدراء تنفيذيين في مجال الموارد البشرية كإدارة مسعودة بالكامل في قلب الشركات، وكان هذا القرار يستند إلى أن السعودي سيجلب سعوديين للعمل، والأجنبي سيجلب أبناء جلدته، وقد استمر وجود الأجانب بالشركات لأن بعض متخصصي الموارد البشرية السعوديين لم (يتسللوا) إلى مهمة الإستقطاب، التي مازال يسيطر عليها الأجانب بالشركات، أو عبر شركات وسيطة متخصصة.
تمدد نظام السعودة نحو مهن المبيعات والتسويق والإشراف وغيرها في 12 صناعة مختلفة، وذلك بتقنينها حصراً على السعوديين ومن في حكمهم من أبناء المواطنات، وأيضاً مهن إضافية مثل تطبيقات توجيه المركبات وخدمات التوصيل وغيرها، فوجه المشرع ملايين الريالات كمداخيل أساسية أو إضافية للشباب والشابات السعوديات، ومازالت القرارات والمراسيم الملكية تصدر بشكل دائم وبأفكار إبداعية خلاقة لتحقيق هذا الهدف.
يقرن البعض التوطين بالعنصرية، وهذا بطبيعة الحال أمر مردود عليه، بأنني أجد أن تعيين الأجانب هو قمة العنصرية ضد السعودي في داخل بلده، حيث نعلم جميعاً أن طريقة تعيين الأجانب في السعودية لا يكون عادة بإستقطاب الفرد المميز كما هو مفترض، بل هو عمل ممنهج وناتج عن (لوبي) لكل جنسية معينة، يقوم هذا اللوبي بالإستحواذ الكامل على مهنة ما في صناعة ما، فتستقطب الصالح والطالح والمتردية والنطيحة والمؤهل المطلوب هو جواز سفره ولغته فقط، فإنتشرت الشهادات الوهمية كنتيجة لذلك، فتدخل مثلاً إلى إدارة الحاسب الآلي أو الإدارة المالية في عدة شركات سعودية كبرى فتجد اللغة الأوردية مثلاً هي السائدة في الحوار بين الموظفين، وهذا لم يتم بين يوم وليلة، بل بشكل ممنهج مجدول على سنوات طويلة، فكلما ظهر إحتياج لزيادة الكادر، يتم استقطاب شخص من ذات الجنسية وتدريجياً أصبحت بيئة العمل بالكامل غير صالحة لدخول السعودي أو حتى أي جنسية أخرى بينها، وهذه هي العنصرية الحقيقة والتي تواجهها الأن قرارات وزارة العمل بصرامة وحزم حيث نتوقع أن تتم السعودة مع الإحتفاظ بالكفاءات الأجنبية الفذة والنادرة، والتي تساهم في تدريب وصناعة الموظف السعودي المحترف وتأهيله ليكون قائداً تنفيذياً في وطنه الذي يخطو خطواته الأول لبناء حضارة إنسانية، أراها في الأفق القريب، نموذجاً متفرداً بين الأمم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال