الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتميز الاقتصاد السعودي بترابطه الموجب (الطردي) مع قطاع النفط باعتباره مصدر العائدات الرئيسي لهذا الاقتصاد، وهو ما يجعلهما يتحركان في نفس الاتجاه ويجعل تأثر الاقتصاد السعودي شديدا للغاية بأي تغيرات تطرأ على هذا القطاع. وبالتالي، فإن الاقتصاد السعودي يبقى دائما عرضة للخطر في حال حدوث تذبذبات مفاجئة في أسعار النفط، وهو ما حصل بالفعل في أوقات كثيرة في الماضي، وقابل للحصول مجددا. ومع تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وتقلص نشاط الشركات في جميع أنحاء العالم، يصبح من الأهمية بمكان تطوير استراتيجية فعالة لإدارة المخاطر بهدف التخفيف من آثار التقلبات في أسعار النفط وتقليل تأثر الاقتصاد السعودي بالقطاع النفطي. ويمكن أن يكون إدراج أرامكو في الأسواق المالية العالمية خطوة ممتازة في هذا الاتجاه بصفتها أداة ملائمة لتحقيق التنوع في الاستثمارات الحكومية والاستفادة من أدوات التحوط المتاحة في أسواق المال العالمية التي قد تساعد في تخفيف الآثار السلبية المتعلقة بالاهتزازات المحتملة في القطاع النفطي. وبالتوازي مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، تم تحديد الفترة ما بين 2020 – 2021 لتكون موعد طرح 5% من أسهم أرامكو في الأسواق المالية العالمية وهو ما يتوقع أن ينتج متحصلات اكتتاب تصل إلى 100 مليار دولار أمريكي.
تعتبر أرامكو أكبر شركة مصدرة للنفط في العالم، وهي تبيع النفط الخام بالنيابة عن حكومة المملكة العربية السعودية. وبالتالي، فإن طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام يعد خطة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التنويع في الاستثمارات الحكومية وتعظيم العائدات غير النفطية وتوفير آلية قد تساعد في تحوط الاقتصاد السعودي من التقلبات في قطاع النفط. ويمكن عند إدراجها في أهم الأسواق المالية العالمية أن تستخدم أدوات تحوط متعددة مثل عقود الخيارات المالية والبيع على المكشوف للتقليل من تأثر الاقتصاد السعودي بتذبذبات قطاع النفط. إن إدراج أرامكو في الأسواق المالية العالمية سيعطي أنشطتها بعدا دوليا يمكنها من امتلاك بدائل تحوط فعالة للتخفيف من تأثر الاقتصاد السعودي بقطاع النفط. ولكن هذا لا يعني أن المملكة لا يمكنها انتهاج سياسة تحوط حتى قبل إدراجه أرامكو، فهناك العديد من خيارات التحوط المتاحة مثل التحوط المتقاطع، ولكن القيمة السوقية المتوقعة لأرامكو (2 تريليون دولار أمريكي) تجعل تطبيق هذا التحوط وغيره من بدائل التحوط الأخرى صعبا ومكلفا، ولكنه يبقى ممكنا على نطاق أصغر (5% – 10% من قيمتها السوقية).
وتقوم استراتيجية التحوط المتقاطع على استخدام أدوات التحوط المتاحة على شركة تتسم أسهمها بترابط إيجابي (طردي) وتتحرك بنفس الاتجاه مع أسهم الشركة التي يراد تطبيق استراتيجية التحوط وإدارة المخاطر فيها. فلو أردنا تطبيق هذه الاستراتيجية على حالة أرامكو مثلا، لوجدنا أن احتمال ترابط شركات مثل “إكسون موبيل” و”بريتيش بيتروليوم” إيجابيا (طرديا) مع أرامكو هو عال جدا، وبالتالي يمكن للمملكة استخدامهما كشركات مقاربة لأرامكو وبيع أسهمهما على المكشوف للتقليل من مجموع المخاطر الناجمة عن تأثر الاقتصاد السعودي بذبذبات القطاع النفطي. وبالتالي، فإن استخدام استراتيجية التحوط المتقاطع تتيح للمملكة العربية السعودية تقليل المخاطر الناجمة عن التأثر بقطاع النفط وأسواقه مع بقاء المخاطر الخاصة بشركة أرامكو، وهذا يعني أن استراتيجية التحوط المتقاطع لا يمكنها أن تكون بديلا فعالا عن استراتيجية طرح الأسهم للاكتتاب العام في الأسواق المالية العالمية. إن طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام العالمي سيوفر المزيد من خيارات التحوط المتاحة، ومن هذه الخيارات بيع أسهم أرامكو على المكشوف بهدف تنويع الاستثمارات الحكومية، وبما أن الحكومة تمتلك هذه الأسهم بالفعل في أرامكو، فإن بيع نفس الأسهم على المكشوف لن يؤثر على الأغلبية المسيطرة على الإدارة وستبقى نسبة السيطرة كما هي، وستكون عملية تنويع الاستثمارات الحكومية أسهل باستخدام المتحصلات المالية من هذه العملية لاستثمارها في قطاعات لا تترابط عائداتها مع القطاع النفطي.
وقد ظهرت بعض الأصوات التي تنتقد إدراج أرامكو في الأسواق المالية العالمية، ولكن هذه الانتقادات مبنية في الحقيقة على جهل المنتقدين بقواعد إدارة الثروة أكثر مما هي مبنية على حقائق منطقية وراسخة. فجهل هؤلاء وقلة درايتهم جعلهم يعتقدون بإن إدراج أرامكو في الأسواق المالية العالمية يعني أن المملكة ستقوم ببيع أثمن أصولها في الأسواق المالية العالمية دون الانتباه لما قد تجلبه من منافع على المدى الطويل. وهذا الاعتقاد يجافي الصواب في الحقيقة، فاستراتيجية إدراج أرامكو في الاسواق المالية العالمية تتماشى مع إصلاحات الاقتصاد الكلي التي يتم تطبيقها على الاقتصاد السعودي، وهي فرصة مثالية لتنويع مصادر الدخل وتنويع الاستثمارات كما هو الحال في النموذج الاقتصادي النرويجي. فقد عمدت الحكومة النرويجية إلى إنشاء صناديق سيادية يتم فيها تجميع عوائد النفط ليصار إلى استثمارها لاحقا في أصول دولية بهدف تقليل تأثر الاقتصاد النرويجي بتذبذبات قطاع النفط. وبالمثل، فإن الحكومة السعودية تحتاج إلى نموذج تنويع عالمي مشابه للحفاظ على الثروات الوطنية وتعزيزها. إن إدراج أرامكو في الأسواق المالية العالمية سيفتح أمامها أبوابا من الفرص الاستثمارية الدولية التي يقل ترابط عائداتها مع القطاع النفطي مما يقلل اعتمادها على النفط كمصدر أساسي للعوائد الوطنية في المستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال