الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
البيئة التي يُحترم فيها التخصص بيئة تنافسية، رفيعة في الأداء والمخرجات، والبيئة التي لا تحترمه أو لا تدرك أهميته، تتداخل فيها الأعمال وتتشوه لديها النتائج، إذ التخصص قوة استندت على تراكمية علمية، مهّدت للممارسة المنهجية.
والمحامي في المملكة العربية السعودية يتخرّج من كليات محددة ، يتلقى من خلالها مناهج متخصصة ، ويتوّجها بتحقيق الخبرة المطلوبة في النظام،ليوفّق بين التأصيل النظري والتطبيق العملي، وهذه الاشتراطات النظامية جاءت إيماناً بأهمية دور المحامي في المنظومة العدلية ، وبتأثيره في رسم التشريعات وتقييم تطبيقها، لكن من المهم أن نتلمّس مكامن القصور التي قد تؤثر على أدائه لعمله، و الممارسات التي لا تتواكب مع متطلبات تحقيق الجودة المنشودة، حتى وإن ظنها البعض منخفضة الأهمية ، فالأمر نسبي، وفي هذا المقال أُسلّط الضوء على مشكلة طال عمرها وهي: ممارسة غير المختصين لأعمال المحامين! ، فمنظر مكاتب تحصيل الديون مقابل بناية المحكمة ملفت، وتعلن بلافتاتها للعموم قدرتها على تقديم كل الخدمات التي يختص بها المحامي كــ : تقييد الدعاوى وتكييفها، وصياغة اللوائح والمذكرات ، مستترة أحياناً ببعض المواطنين في الترافع (كوكلاء فيما لا يزيد عن ثلاث قضايا ) ، دون اكتراث بنظام المحاماة ، ولا بحساسية التعامل مع حقوق المترافعين .
وعندما نسأل عن متطلبات مزاولة عمل تحصيل الديون ، نجدها محصورة في كون المتقدم قد حصل على الشهادة الثانوية ، وقد جاوز عمره الثامنة عشرة ، مع توقيعه لإقرار المزاولة ! ، مع صعوبة في إيجاد” تنظيم” هذه المهنة في موقع وزارة التجارة، وقد حرصت على الاتصال لطلب هذا التنظيم ، فلم أسمع سوى المتطلبات التي ذكرتها آنفاً ! .
إن ضعف الدقة في ضبط اختصاصات هذه المكاتب – من الناحية النظامية- أوجد من يمارس كل أعمال المحامين دون رقابة أو محاسبة ،وسأذكر بعض النقاط حول هذا الموضوع:
1-خالفت هذه المكاتب نظام المحاماة صراحة ، وقامت بمزاولة أعمال ليست داخلة في نطاق ( تحصيل الديون ) ، وهذا ناتج عن عدم وجود تنسيق رقابي بين الجهات المعنية بهذا الموضوع .
2- الهدفُ الثاني من الأهداف الاستراتيجية للتحول الوطني 2020 ، المتعلقة بوزارة العدل هو : الحد من تدفق الدعاوى في المحاكم.
وارتجالُ غير المختص بتكييف الدعوى ابتداءً ثم قيدها ، سينتج عنه -بلا ريب- تقييد لدعاوى في غير محاكمها المختصة بنظرها، وفي هذا هدر كبير للجهد والوقت والمال لجميع الأطراف ، وتكوينُ فجوة بين عدد الدعاوى المقيّدة والمُنجزة ، مع استصحاب خطورة فوات مصلحة المدعي ، واضطراره لإعادة جميع الخطوات.
3- عندما تُصاغ اللوائح والمذكرات من غير المختص ، وفي مدة يسيرة أمام باب المحكمة ، فماذا ننتظر من هذه الصياغة ؟ هل ستقوم على أساس علمي ، ودقة في وصف الوقائع ، وعرض محكم للأسانيد الشرعية والنظامية ؛ لنستطيع القول حينها بأننا حققنا أقل درجات الضمانات للمترافعين ؟! ، الجواب دون تردد : لا .
4- تجويد العملية القضائية وتحقيق الشفافية فيها لا يتم إلا بمرافعة متوازنة ، تحققت فيها الضمانات لأطراف الدعوى ، ولجوءُ بعض المترافعين لهذه المكاتب أفرز مذكرات هزيلة غابت عنها أبجديات التحرير العلمي ، وفُقدت فيها الأسانيد الموصلة ، مما أشغل القضاة عن أداء عملهم الرئيس ، وأثّر على الأداء ، وأطال المدد ! .
5- جاء في رسالة (مكتب تحقيق الرؤية) بوزارة العدل : تنفيذ الأهداف …. من خلال مشاركة أفضل الممارسات .
والذي يُشاهَد أمام المحاكم – العامة والتنفيذ – من وجود مكاتب مؤقتة ومظلات ، بعيد كل البعد عن أفضل الممارسات التي ترفع من جودة التقاضي في المملكة.
6- يتوهم المواطن أو المقيم أو المستثمر الأجنبي نظامية هذه التجاوزات! ؛ ومع غياب الجهات المعنية عن ممارسة دورها الرقابي ترسّخ هذا الوهم ، فلماذا لا يتم التنسيق بين ( وزارة العدل و أمانات المناطق ووزارة التجارة ) مع الجهات الأمنية ، لضبط المكاتب المخالفةلحدود تراخيصها ؟! .
7-هيئة المحامين مخاطبةٌ بشكل صريح في هذا المقال للتحرك تجاه هذه المشكلة ، وقد نصت المادة الثانية من تنظيمها على أن الهيئة تهدف إلى رفع مستوى ممارسة المحامين لمهنتهم وضمان حسن أدائهم لها ، وأن لها في سبيل تحقيق ذلك العمل على تحقيق رعاية مصالح الأعضاء ، والتقدم إلى الجهات المختصة بما تراه من مقترحات تتعلق بالمهنة ، وهذا النوع من المبادرات يزيد من ثقة المحامين بهيئتهم ، ويرفع من مستوى الممارسة.
وأختم هذا المقال : بالتأكيد على أهمية التركيز على المفاصل الدقيقة لكل المؤثرات التي تطال استقرار البيئة العدلية ، فهي رافدٌ مهمٌ من روافد التنمية ، ومؤثرٌ فاعلٌ في خلق بيئة استثمارية جاذبة ، تحقق اطمئنان المستثمر المحلي والأجنبي ، ومع إيماننا بأهمية الدقة في رسم الأهداف وصياغة الخطط ، لكنها إن ابتعدت عن ظروف الواقع، كانت حبراً على ورق .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال