الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتقد العالم الغربي أننا متأخرون عنهم تقنيا بفارق كبير، وهذا صحيح بل لا جدال فيه. ففي أحد المؤتمرات التي قمت بحضورها في جامعة هارفارد سألت أحد المتحدثين الذين كان قد تحدث عن تجربته في الاستثمار في شركة المراعي التي باع استثماره بها، عما إذا كان سيبحث عن أسهم شركات سعودية أخرى للاستثمار بها فكان رده أن توجههم الاستثماري الآن بات ناحية المشاريع التقنية ونظرا لعدم وجود مشاريع تقنية لها صداها في المملكة سيخرجوا من السوق السعودي بلا عودة قريبة. فوجهت سؤالا للمتحدث الآخر عما إذا كانت لديهم استثمارات في المملكة فكان رده نحن في المملكة نستثمر فقط في المجال المالي في بنك الراجحي على وجه الخصوص ولم نجد أي استثمارات تقنية أخرى من شأنها أن تجذبنا للاستثمار بها حيث أن المشاريع التقنية في المنطقة بسيطة وغير مهيكلة بشكل جيد.
تأخرنا تقنيا كثيرا ولأسباب عديدة ولعل أبرزها هي البيئة التعليمية الغير محفزة المتمثّلة في المعلمون بدءا من الصفوف الأولوية صعوداً الى أساتذة الجامعات. في هذا المقال سأتطرق لما أرى أنه يشكل السبب الأكبر في هذا التأخر وهو قصور من هم في ميدان التعليم من معلمون وأساتذة جامعيون في تهيئة طالب بعقلية تقنية، طالب يعي أهمية الأتمتة ويفكر في خلق منتج تقني مهما كان المجال الذي يدرس به.
يقول المثل الصيني أنت تحتاج ليدين حتى تصفق. اليوم اليد الأولى حاضرة وجاهزة للتصفيق ولكن أين هي اليد الثانية التي من شأنها أن تساعد اليد الأولى في التصفيق فتحدُث الضجة؟ نعم نريد الضجة ولفت الانتباه. فكما نحن مفتونون بثورات العالم الغربي التقنية التي أصبح لها بصمتها في حياتنا اليومية نريد ان نمشي طريقاً تكون نهايته امبراطورية تقنية تقبع في العالم العربي وتلفت أنظار العالم لها ولمخرجاتها. ولوعي قادتنا في المنطقة بأهمية الازدهار التقني وأنه يقود الى ازدهار اقتصادي عظيم رأينا مبادرات وقرارات داعمة كقرار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإدراج مقرر برمجي يدرس في المدارس ومبادرة “العطاء الرقمي” لإثراء المحتوى التقني العربي الذي لا يتجاوز ١٪ من اجمالي المحتوى التقني العالمي بحسب تقرير لوكالة الأنباء السعودية وبرامج أخرى تحت مظلة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني” ومبادرات خليجية أيضا كمبادرة “أراب كودرز”لسمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم والتي تهدف إلى تمكين الشباب من لغة العصر وهي “التقنية” وغيرها الكثير. فكانت تلك المبادرات بمثابة اليد الأولى التي حضرت لتصفق ولكن مرة أخرى أين هي اليد الثانية؟ التي تتمثل فيمن من شأنه أن يفعل دور هذا التوجه وهم “نحن” القوى البشرية من رواد أعمال ومستثمرون وقطاعات حكومية وحاضنات أعمال والتركيز أولا يقع على المعلمون وأساتذة الجامعات المنوط بهم الدور الأكبر في تعزيز انخراط طلابنا مع التقنية حيث أننا نفترض وعيهم بأهمية التقنية ومردودها الإيجابي الهائل على الاقتصاد.
على مر الزمن لم نجد أيا من معلمونا وأساتذتنا من أخذ على عاتقه إعداد جيل متميز تقنيا، فلم نرى يوما التركيز على استحضار الوسائل والطرق التي تثري الجانب التقني لدى الطالب حتى يتمكن من أن يُجاوز بعقليته ما هو موجود في الورق ودفاتر التحضير بل وفِي الحياة العادية لمكان أكثر مهنية وإبداعا. نريد أساتذة يغذون أبناؤنا علما يعود عليهم وعلى وطنهم بالنفع. لو أن كل معلم أخذ على عاتقه مهمة “أنا أريد أن يمتلك طلابي مهارات تعود علينا بالنفع” لكانت مخرجاتنا التعليمية أكثر كفاءة ووجدنا أبناؤنا تبنوا عقليات تفوقهم عمرا.
لعل السبب الرئيسي في وجود مناطق تقنية كتلك الموجودة في وادي السليكون ودولة إستونيا هو أن أبناء ذلك العالم يكبر على استخدام التكنولوجيا بشكل يومي في عدة مهام يومية حتى أصبحت عقولهم قادرة على استحداث الوسائل التقنية واستثمارها محققين بذلك عوائد اقتصادية هائلة لهم ولبلدانهم بعضا منها وصل إلى أن يشكل ما نسبته ١٪ من إجمالي الناتج المحلي لدولته و ٠,١٥٪ من إجمالي الناتج العالمي. نحن بالتالي حُرمنا من تحقيق هذه العوائد لنا ولبلداننا، تعلمون لماذا؟ بسبب تهميش نظامنا التعليمي للتقنية ودورها في تسريع وانجاز المهام والاكتفاء بتبني الطرق التقليدية ٩٩٪ من الوقت مما أدى لعلاقة تقنية سطحية بين أبناؤنا والوسائل في هذا المجال. ففي الوقت الذي يتوجه اساتذة العالم الغربي لتبني الحل التقني كأول وسيلة لحل مشكلة ما نجد العكس تماما يطبق في عالمنا فالحل التقني قد يكون هو آخر الحلول مما ساهم في فقر طلابنا تقنيا وعدم قدرتهم على استحداث وإثراء واستثمار الأدوات التقنية ولا يُلقى عليهم اللوم فهم كبروا يعتقدون أن التقدم التقني شيء محصور للعالم الغربي فنشأ نشأة المستقبِل المستهلِك وليس المنتِج المستثمِر.
ما يتعلمه طلابنا في الصف الأول المتوسط في مادة الحاسب الآلي هو استخدام التطبيقات الأساسية للحاسوب ويظل المنهج يكرر نفسه بتوسع وصولا للسنة التحضيرية بالجامعة! وعلى عكس طلابنا، في الجزء المقابل من الكرة الارضيّة طلاب الصف الأول الابتدائي يُتعين عليهم أن يكونوا ملمين بأساسيات الحاسب الآلي بل ومنوطين بإنهاء واجباتهم المدرسية مستخدمين تطبيقاته الأساسية كالباوربوينت وغيره. إذا تقينا، مهارات طالب الصف الابتدائي في العالم المتقدم هي نفسها مهارات طالب السنة التحضيرية لدينا، هذا إذا أخذنا في الاعتبار ما يتلقاه الطالب على مقاعد الدراسة فقط.
السؤال هنا، كيف لنا أن نتقدم تقنيا حتى نتقدم اقتصاديا ونحن نُهدر أهم سنين اكتساب المعرفة والنمو الذهني لدى طلابنا في أساسيات وبديهيات يفترض أن يلتحقوا بالمدارس وهم ملمون بها؟ ثم إذا تخرجوا من الجامعات وجاء وقت قطف الثمار رأينا الخلل، فالطلاب بمخرجات ضعيفة وعقلية غير مبتكرة تحتاج إلى إعادة صقل حتى تستطيع منافسة قُرنائها في العالم الغربي والنهوض بسوق العمل القائم على العولمة في يومنا هذا.
رواد الصفوف واساتذة الجامعات لتُصافح يمينكم يمين المبادرات السامية في هذا المجال منتجين بذلك صفقة لن تخسر في إعمار وإنماء هذا البلد اقتصادياً فلم تحقق أمة عائدا اقتصاديا صاعقا ونالت من التقدم والمجد ما نالت الا وكان قطاعها التكنولوجي زاخرا بالحلول التقنية المتنوعة التي لا تهدف فقط لحل المشاكل الموجودة على أرض الواقع بل وأشباه المشاكل أيضا. الموضوع خطير وقد يعود بناء أعواما عديدة للوراء إذا لم تتكاتف الجهود منذ الآن وأخذ معلمونا وأساتذتنا أولى خطوات التعزيز التقني لنقل طلابنا نقلة نوعية. فالتغيير الجوهري لعقلية الطالب يبدأ من ميدان التعليم وناقلوا العلم.
واخيرا، فان المستثمرون وحاضنات الأعمال وغيرهم يلقى عليهم جزءا من اللوم في التأخر التقني الذي نشهده اليوم ولعلي سأتطرق لهذا في مقال آخر حيث أن التركيز في هذا المقال يقع على من من شأنه إحداث التغيير الكبير والمبدئي في عقلية تقنيونا ومعلمونا ورواد أعمالنا المستقبليون، الكوكبة التي يعول عليها في بناء الاقتصاد المتقدم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال