الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتسابق جامعاتنا الحكومية على المراكز المتقدمة عالمياً في مجالات البحث العلمي بعلوم معينة وفقاً لمعايير تم وضعها وتحديثها على مر العصور من قبل هيئات دولية، ومؤخراً انضمت الجامعات الخاصة لهذا السباق، ولمَ لهذه التصنيفات من مداخل ومخارج كثيرة وحيث لا يمكن التأكد من المصداقية التامة لما يقدم لها من أدلة على ما تدعيه هذه الجامعات من تحقيقها للمعايير أو انتماء أبحاث علمية لها فعلياً، ومن المؤكد أنه لا تشكيك في صحة مراكزنا، ولكنني أرجو من الأكاديمي المسؤول المصداقية والدقة فيما يقدمه لهذه الهيئات وألا يبني لنا بروجاً وهمية ويضعنا في حرج أمام العالم، لأننا لا نحتاج للمركز المتقدم شكلياً، بقدر ما نحتاج لجودة المخرجات الحقيقية ودليلها الوحيد هو الأثر الإيجابي على المجتمع، سواءً من تخريج طالب مستجد متقن خلوق منضبط يمتلك كافة المهارات لسوق العمل ولديه لبنات الفكر السعودي الجديد المتوافق مع رؤية 2030، أو نشر بحث علمي يغير جزءً من حياتنا نحو الأفضل، سواء بإبتكار دواء، أو تقنية جديدة تسهم في مساعدة الناس في أمر ما.
أما البحوث التي لا تتعدى سمعتها دهاليز الجامعة، لن تكون لها قيمة أكاديمياً ولا حتى إجتماعياً، فالأصل في وجود الجامعات هو إنتاج البحث والخريج للمجتمع وإثبات نجاحه على أرض الواقع، وليس إبقائه في مكتبة الجامعة ليكون مرجعاً لا قيمة له، فلا يثري العلم إلا التجارب ثم التجارب. وهذا ينطبق على كافة العلوم النظرية والتطبيقية. وكذلك هو حال الخريج، الذي لا يملك أدنى مهارة، ومنبثق من بيئة مختلفة كلياً عن بيئة العمل التي ستكون مصيره لا محالة.
وجود علم المملكة ضمن تصنيف عالمي، هو أمر يثير الفخر لدى كل سعودي، نرغب أن يكون هذا التواجد مستداماً، لأنها اثبات لقوة نظامنا التعليمي وحضارتنا القادمة، ولكن بشكل متوازي مع ذلك، يجب أن نتحرك نحو زيادة جودة المخرجات، وهذه لن تكون بزيادة وتقوية المحتوى العلمي فقط، بل من خلال البيئة الجامعية التي (يجب) أن تكون متوافقة تماماً مع بيئات العمل وبيئات الحياة الاجتماعية خارج أسوار الجامعة وإلا سيستمر استقطاب الأجانب المتوافقين مع البيئات الجديدة والبيئات المطورة.
تفسيراً لما سبق عن توافق البيئات التعليمية مع بيئات العمل والحياة الإجتماعية، على سبيل المثال هناك مدن جديدة مثل نيوم وأمالا والقدية، ستجري فيها عمليات إنشائية عملاقة، وخلال سنوات قليلة سيتطلب الأمر تشغيل هذه المدن بكفاءة عالية، وهذا الأمر بطبيعة الحال سيتطلب كفاءات وظيفية عالية من بيئات متوافقة مع ما يتم التخطيط له في هذه المدن، كمدن علمية متقدمة كنيوم، ومدن سياحية كأمالا، ومدن ترفيهية عالمية كالقدية، وكلنا نعلم أن بيئة أغلب جامعاتنا الحالية قد تؤهل الخريج للعمل في بعض إدارات القطاع الحكومي وقد لا يمكنه العمل في أغلب بيئات العمل بالقطاع الخاص أو الهيئات الحكومية، والتي قد تضطر لإستقدام الأجانب لتشغيل مشاريعها.
ولإيضاح الفكرة بشكل أوسع، أورد مثالاً لخريج كلية متخصصة في السياحة، يدرس في بيئة تقليدية كما هي أغلب جامعاتنا وكلياتنا التقنية الأن، ثم تكون الصدمة عندما يتم قبوله للعمل بمشروع سياحي جديد في أمالا مثلاً، والتي ستكون وجهة من وجهات العلاج الطبيعي والاستجمام في العالم، أو مدينة القدية الترفيهية العملاقة، وهذه الصدمة النفسية ستتسبب في ردة فعل قد تؤدي إلى تخاذله أو حتى خروجه من العمل لعدم وجود أي تمهيد ملائم له من خلال بيئة الدراسة. وسنضطر مجدداً لإستقدام العناصر الأجنبية لسد الفراغات في مشاريع أمالا والقدية السياحية.
تحسين بيئة الجامعات ليس رفاهية، بل هو أمر طارئ وعاجل جداً، لإنقاذ عملية تطبيق نظام السعودة من الفشل سواءً في المدن الجديدة والمدن القديمة المطورة، في العشرة أعوام القادمة، وأيضاً لتلافي وقوع حادث مماثل لما حدث مؤخراً لفتاة في إحدى الجامعات، كنتيجة لعدم إنسانية إدارة ومعطيات بيئة بعض الجامعات. الجودة ثم الجودة هي فرس الرهان القادم، ولن يقتنع المشرع ولا والمواطن ولا حتى الهيئات العالمية بالتصنيفات والمراكز المتقدمة على الورق، بل سيقتنع الجميع بالعطاء الإنساني الحقيقي والتأثير الإيجابي المباشر كاقتصاد تعليمي في تحقيق الرؤية السعودية 2030.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال