الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعلّمت في العديد من المدارس والجامعات ولكن تظل شركة ارامكو السعودية افضل مدارسي على الإطلاق كونها رائدة في رفع كفاءة الموظفين من خلال برامج مُكثّفة ومُستمرّة لتدريب وتطوير الكفاءات، وبالتالي فهي تضم نُخبة النُخب من الكوادر الوطنية وهذا بلا شك سر النجاح ممّا أهّل بعض قيادات “ارامكو” لتولي مناصب حكومية مُهمّة.
الثروة البشرية – او كما تُسّمى اليوم برأس المال البشري – تُعتبر أغلى واهم ثروة في الدول الصناعية المُتقدّمة التي لايوجد بها ثروات طبيعية ولكنّها من اقوى الاقتصادات. أي ثروة بحاجة الى تَعظيم قيمتها، وهذا يعني ان نستثمر في شبابنا الطموح وفي نفس الوقت نُحافظ على ما بنيناه واستثمرناه في المُخضرمين الذين هم بنك المعلومات ونبع الحكمة التي سيكتسبها الموظف الشاب على يد الموظف المخضرم المِعطاء.
ارامكو السعودية اثبتت جدارتها وملائمتها لمتطلبات رؤية 2030 خاصّة في التعامل مع جيل الشباب الذي يُمثّل الغالبية في مجتمعنا، وفي نفس الوقت مع جيل مُخضرم بنى ثروة عِلمية وعَملية تُحاول الحفاظ والاهتمام به. لذلك، وعلى مدى ثمانية عقود ونيف، تمكنّت ارامكو السعودية من فرض نفسها كنموذج يُحتذى به في التشغيل والإنجاز محلياً وعالمياً، بل واصبحت خططها تُتَبنّى عالمياً.
وأقرب مثال على ذلك نجاح مشروع نظام “ساب” العملاق لدمج انظمة العمل في ارامكو في نظام واحد والذي بدأ العمل به نهاية تسعينيات القرن الماضي وتم تطبيقه فعلياً بداية الألفية الجديدة، حيث حقّق نقلة نوعية في أسلوب العمل بعد تحديث وتوحيد وربط كافّة أنظمة قطاعات الشركة المالية والمواد والصيانة والموارد البشرية والمشاريع والبرامج الرأسمالية والعقود ومبيعات النفط ومنتجاته .. الخ. الجدير بالذكر أن تطبيق ارامكو لنظام ساب أحدث نقلة نوعية للنظام كأحد اكبر وأقوى الأنظمة المستخدمة في العالم.
بينما البناء سهل، يظل الحفاظ عليه – خاصّة مع متطلبات المستقبل صعب بل ويُمثّل الزاوية الحرجة لأرامكو السعودية المعروفة باحتضانها للنخب سواءً موظفين أو اختراعات وابتكارات. وإذا ما ارادت ان تستمر في موقعها الريادي مستقبلاً فعلينا أن نعرف كيف نُحافظ على موظف ارامكو المُخضرم الذي بنى ثِقل معرفي ثري ليصبح المُعلّم والمُلهم والمُبتكر لجيل الشباب في الشركة؟ خاصّة في حالة تقديم جيل الشباب على المخضرمين في المناصب القيادية – بينما لايزال أمام جيل الشباب وقت ليكتسب الحكمة التي تُؤهله لشغل مثل هذه المناصب، مما قد ينتج عنه سوء تواصل بين الجيلين مما سيضطر الكثير من المخضرمين بالتفكير جِدّياً في التقاعد المُبكر حاملاً ارثه المعرفي معه ومسبباً لفجوة معرفية عميقة وبالتالي تخسر ارامكو استثماراتها طويلة الأجل في رأس المال البشري.
الحفاظ على مستوى الرضى العالي لدى الموظفين – خاصّة المُخضرمين من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية والقدرات القيادية الراقية والمُتميّزة – مسألة مفصلية لارامكو السعودية، ولايمكن انكار حرص القيادة العليا في ارامكو على ذلك. فعلى سبيل المثال، تحرص على قياس مدى رضى موظفيها من خلال إرسال استبيانات لجميع الموظفين لمعرفة رضاهم. ولكن يظل السؤال هنا، هل يستطيع موظف ارامكو المُخضرم ان يتكلم ويُعبّر بشفافية وهو محكوم برئيس شاب تنقصه الخبرة والحكمة ولايزال في مرحلة الأخذ ولم يتم صقله بعد ليعرف معنى العطاء الذي يأتي مع الوقت؟ فما بالك ان كان ذلك القيادي الشاب اجنبي؟ وهل يُعقل ان نستثمر فيه وتعطيه الثقة؟
لا أحد يستطيع ان يُزايد على جديّة ارامكو السعودية في الحفاظ على موروثها فهي حاضنة النخب بثروتها البشرية الوطنية. كما أنه لا مُزايدة على وطنية ومهنية موظفيها الذين يُضرب بهم المثل في الكفاءة والانضباط والتميّز والمهنيّة العالية. الحفاظ عليهم واجب وطني، وهذا يتطلب ان نحميهم جميعاً وبالأخص المخضرمين من أي احتمالية للإمتعاض او الضغط النفسي او احباط للمعنويات واضاعة فرص للإرتقاء الوظيفي نحو المناصب القيادية مما قد يضطرهم لترك الشركة. أمّا الشباب فهم المستقبل الذي نتطلع إليه ولكن وجودهم في مناصب قيادية في لحظة عمرية يغلبها مبدأ الأخذ وليس العطاء سوف يُعمّق هوّة عدم التناغم مع الموظفين مما قد يضطر الكثير – سواءً شباباً او مخضرمين – لترك ارامكو السعودية مبكراً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال