الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الطباعة ثلاثية الأبعاد بوصفها تطوراً ملحوظاً وانقلاباً تاريخيًّا في مجال الهندسة الصناعية، ولكن مازال الكثير من الناس يعتقدون بأن الطباعة ثلاثية الأبعاد هي مجرد تقنية مخصصة حصراً لإنتاج مجسمات بلاستيكية صغيرة، في الواقع هذا غير صحيح، فهناك الكثير من براءات الاختراع والطابعات الجديدة التي تتعدى قدرتها طبع المنتجات البسيطة والنماذج البلاستيكية إلى طباعة المعادن والخزف وحتى الأنسجة، مما يمهد لثورة صناعية حقيقية في عالم الصناعة.
إن الطباعة ثلاثية الأبعاد -أو ما يسمى أيضا التصنيع بالإضافة- هي إحدى طرق التصنيع المتطورة في تصنيع منتجات ثلاثية اﻷبعاد وتبدأ من خلال تصميم المنتج على الحاسوب ومن ثم طباعته (تصنيعه) بواسطة طابعة ثلاثية اﻷبعاد. تتم عملية الطباعة عن طريق رص طبقات المواد الخام (الأولية) فوق بعضها البعض حتى يكتمل صناعة الجسم المطلوب، مع الطباعة الثلاثية الأبعاد، يمكننا تصنيع منتجات بأشكال أكثر تعقيدا والتي يصعب أو حتى يستحيل صنعها بالطرق التقليدية، نستطيع أيضاً تصنيع منتجات مكتملة الصُنع بشكل أسرع؛ وهذا يوفر الكثير من وقت الإنتاج ويقلّص تكلفة الطاقة المستهلكة والتي بدورها ستنعكس إيجاباً على خفض تكلفة الإنتاج.
وبناء على هذا فقد بدأت تتسارع الشركات العالمية الكبرى في الاستثمار في التقنية عن طريق إدراج الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصبح جزءاً فاعلاً من مجالات أعمالها الرئيسية؛ حيث إن استعمالات هذه التكنولوجيا متنبأ لها بأن تخدم تطبيقات دقيقة ومتعددة في الصناعات الدفاعية والقطاع العسكري، وصناعة الفضاء والطيران، والمجالات الطبية، ولذلك نجد الكثير من الشركات العالمية ومراكز الدفاع حول العالم تستثمر في هذه التكنولوجيا بعيدا عن خطوط الإنتاج في المصانع بهدف إنتاج قطع الغيار والأدوات والتطبيقات الطبية مثل اﻷطراف الصناعية و اﻷدوات الجراحية و الأنسجة المزروعة و الأعضاء لمعالجة الجرحى والمرضى.
فعلى سبيل المثال فقد نشرت شركة جنرال إلكتريك الشهيرة قدرتها على تصنيع أجزاء محرك نفاث (مثل منافث الوقود وأنظمة التوربينات) من مكونات مطبوعة عن طريق الطابعات الثلاثية الأبعاد، نحن في المملكة نستطيع أن نستثمر هذه التقنية في مجال تصنيع قطع الغيار المستهلكة مما يوفر علينا الكثير من الوقت والمال، أيضا نستطيع إدخال التقنية في المملكة لكي تساهم في مجال البناء عن طريق تطوير طابعات عملاقة لطبع الاسمنت او مخلوط مواد البناء مع مواد أخرى كالزجاج والفولاذ والاسمنت في تشكيل وبناء البيوت، كل ذلك ممكن أن يتم بتظافر الجهود مع وزارة الإسكان ومراكز البحث والتطوير والجهات الحكومية الأخرى في المملكة، فعلى سبيل المثال وجدنا مباني شيدت باستخدام هذه التقنية في مدينة دبي و روسيا و الصين و مؤخرا في السعودية؛ ولذلك تستطيع السعودية نسخ نموذج مماثل ببناء بيوت مميزة ذات تصاميم هندسية معقدة ومن ثم ستكون الطباعة على ألواح جاهزة ثم تجميعها وتركيبها في الموقع. إن المسارعة بالاستثمار بهذه التكنولوجيا سينعكس إيجابيّاً على الاقتصاد الوطني ليس فقط لحل أزمة السكن الراهنة، ولكن أيضا لتقليل تكلفة الأيادي العاملة ومخلفات البناء في المنشآت الصناعية، كمثال اخر في مدينة نيوم المستقبلية سيتم الاستثمار بهذه التقنية تحت قطاع “مستقبل التصنيع المتطور” لفتح آفاق جديدة في المستقبل القريب.
نستطيع عبر استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد خلق فرص وظيفية متعددة تبني قاعدة صناعية مستدامة في المملكة وهذا يقع في صلب في رؤية 2030 الوطنية، نحتاج في هذا المجال المهندسين والتقنيين ذوي الخبرة في مجالي الصناعة والميكانيكا، ومطوري البرامج، والمصممين التجاريين والصناعيين، ومديري التسويق..، أيضا نحتاج المطورين، ومطوري الشفرات، والمبرمجين من أجل إنشاء البرامج المطلوبة لتشغيل وتطوير آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد، سوف تكون هناك أيضا فرص عمل للمبدعين، كالمصممين والفنانين الذين سيسهمون في صُنع منتجات بأشكال هندسية رائعة، كما أن المزيد من العمالة اليدوية ستكون مطلوبة من أجل تشغيل الطابعات ومعالجة الأجزاء والنماذج المبدئية. وجدنا أيضا إقبال متصاعد من المهندسين والمصممين والتقنيين والباحثين على تعلّم الطباعة ثلاثية الأبعاد في المدارس والجامعات حول العالم، وإنني أعتقد بأن هذه التقنية سوف تساهم في مجال التعليم عن طريق صناعة نماذج للدراسة مما يسهل تعلّم الكثير من العلوم مثل التصميم والتركيب والميكانيكا وعن طريق أيضا صناعة نماذج مماثلة تماما للجسم البشري للدراسة عليها (علم التشريح).
وعلى الرغم من أن طباعة الكثير من المواد ممكنة من الناحية النظرية، بيد أن الطباعة ثلاثية الأبعاد لم تصل بعد إلى مستوى توقعات البعض في الوقت الراهن؛ فلا يزال هناك الكثير من العيوب والاشكالات الي تتطلب من الشركات ومراكز البحث والتطوير العمل على إصلاحها، ولكن بشكل عام يمكننا القول بأن نمو الطباعة ثلاثية الأبعاد يسير بخطى متسارعة في مجالات مختلفة؛ لذلك يجب علينا أن نشجع على الاستثمار والابتكار بهذه التكنولوجيا، وتقديم الدعم المادي والتدريب المهني، وفرص الإبداع والتطوير في هذا المجال، فمع اتخاذ خطوات جريئة لتحفيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل ستصبح المملكة بعون الله قوة استثمارية عالمية خلال العشر سنوات القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال