الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على عكس العمليات السابقة والتي أنكرت فيها إيران قيام قواتها بإلحاق الأضرار بناقلات بحرية في مياه الخليج العربي وذلك بعد تفعيل العقوبات الأمريكية في الأول من مايو، أعلنت الحكومة الإيرانية رسميًا تبنيها لعملية اختطاف الناقلة النفطية والتي ترفع العمل البريطاني في بحر عمان والسير بها إلى ميناء بندر عباس الإيراني.
يأتي هذا التصعيد كردة فعل على احتجاز ناقلة نفطية إيرانية من قبل السلطات البريطانية في مضيق جبل طارق كانت في طريقها إلى ميناء طرطوس السوري لتوريد النفط في وقت تخضع فيه سوريا إلى عقوبات تشمل تصدير النفط إلى سوريا من قِبَل الاتحاد الأوروبي.
استهداف الناقلة البريطانية لم يكن عبثًا بل عملية مخطط لها مسبقًا. يهدف النظام الإيراني من خلالها إلى تحقيق عدة مكاسب أهمها كسب تأييد الشارع الإيراني وإثارة الهلع في تداولات النفط ودفع عجلة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية مع تقديم تنازلات محدودة جدًا.
تأتي رمزية عملية استهداف الناقلة في أنها محاولة من النظام تحقيق نصر معنوي على بريطانيا التي حاصرت أساطيلها إيران سنة 1951 ومنعتها من تصدير النفط لمدة عامين عقب قيام رئيس الوزراء محمد مصدق، الذي أطيح به لاحقًا عقب مظاهرات اجتاحت إيران بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، بتأميم الصناعة النفطية.
يرى النظام من أن هذه العملية ستساهم في كسب التأييد والتعاطف الشعبي في وقت فقدت فيه العملة المحلية 60% من قوتها الشرائية بحسب تقرير صندوق النقد الدولي في أبريل الفائت. من المرجح أن يحاول النظام استثمار قضية احتجاز الناقلتين البريطانية والإيرانية وربما إطالة المفاوضات بقدر الإمكان لتعزيز ما سبق.
مؤخرًا، أعلنت حكومة جبل طارق التابعة لبريطانيا تمديد فترة احتجاز الناقلة الإيرانية حتى 15 أغسطس وتشير التسريبات الصحفية إلى طلب بريطاني غير رسمي من الإيرانيين بالبحث عن جهة أخرى غير سوريا لتفريغ حمولتها كالمغرب والجزائر إلا أنه على الأرجح أن هذا لن يحدث تفاديًا للعقوبات الأمريكية وإصرار إيران على توريد الحمولة إلى سوريا التي اتفقت معها مسبقًا وتعاني فيه الأخيرة من شح في إمدادات الوقود.
يتخوف النظام الإيراني من خروج مظاهرات واحتجاجات شبيهة بتلك سنة 2009 بعد عام من تطبيق العقوبات الدولية على برنامج إيران النووي. حينها، خرج عشرات الألوف فيما عُرِف بالحراك الأخضر وكادت المظاهرات أن تعصف بحكومة الرئيس الإيراني أحمدي نجادي لكن سرعان ما تم قمعها بوحشية واعتقال جميع قيادييها.
تراهن الادارة الأمريكية الحالية على تنامي السخط الشعبي والضغط على النظام للاستجابة لمطالبها إلا أن النظام بعد هذه المظاهرات قد أحكم سيطرته أمنيًا وليس من السهل أن تتكرر الاحتجاجات قريبًا.
ماذا عن إمدادات النفط عبر مضيق هرمز؟
يهدف النظام أيضًا عبر هذه العملية وما سبقها إلى إثارة الهلع في تداولات النفط وأسعاره لكن ردة فعل السوق الغير متوقعة حالت دون ذلك. ما تزال أسعار النفط متماسكة منذ أوائل العام وهي في نطاق الـ 60 و 70 دولارًا لخام برنت لكنها ستشهد ارتفاعًا في حال تكرار الاعتداءات على الناقلات البحرية أو المنشآت النفطية في المنطقة واحتمالية حدوثها ما زالت قائمة بحسب تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الذي صدر بعنوان: “أسواق النفط والاعتداءات النفطية والمضائق الاستراتيجية” الصادر بتاريخ 19 يوليو.
ساهم التصعيد الأخير في تضخم أسعار التأمين على الناقلات البحرية التي تبحر في مياه الخليج العربي بما يربو عن الـ 20 ضعفًا وهو من العوامل التي ستساهم في زيادة الأسعار وكسر حاجز الـ 70$ لخام برنت قبل نهاية العام على الرغم من الأسواق النفطية متخمة بالامدادات النفطية بزيادة مقدارها 900 ألف برميل يوميًا بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
بالنسبة للصادرات النفطية الإيرانية، امتثلت الكثير من الدول للقرار الأمريكي إلا أن عددًا من الدول كالصين، التي تخوض حربًا تجارية مع أمريكا، ما تزال تستورد النفط الإيراني بل تقوم بتخرين الكثير منه في موانئها.
المنافذ البحرية ليست المتنفس الوحيد للنفط الإيران بل إن عمليات تهريب النفط ومنتجاته مع دول الجوار خصوصًا تركيا ما زالت تنشط ومن الصعب التحكم بها أو وقفها. تقوم إيران ببيع نفطها في السوق السوداء حيث ما زالت الناقلات النفطية الإيرانية تعوم بحثًا عن مشترين لنفطها بالخفاء في المياه الدولية.
هل سيرضخ النظام الإيراني للمطالب الأمريكية؟
إيران ما قبل الثورة ليست كما بعدها. توقع الكثير من المحللين نجاح الحصار الأخير بل ذهب البعض إلى نشوب حرب يرضخ بعضها النظام إلا أن الواقع كان مغايرًا.
على الرغم من أن العقوبات الحالية هي الأشد من نوعها والتي شملت حظرًا شاملًا لجميع صادرات النفط إلا أن الصادرات الإيرانية لم تتوقف وإن خفت وتيرتها عما كانت عليه. فرض العقوبات على الشركات الصينية التي تتعامل مع النفط الإيراني والتي قامت بها الادارة الأمريكية مؤخرًا من شأنه أن يضيق الخناق لكنه لن يوقف الصادرات النفطية في وقت ما تزال فيه الناقلات النفطية الإيرانية تعوم في البحار بحثًا عن مشترين لنفطها بالخفاء.
المراهنة على ثورة داخلية ليس بالأمر الهين حتى مع تردي الأوضاع الاقتصادية. فبعد قمع الحراك الأخضر، أحكم النظام قبضته أمنيًا على زمام الأمور في كافة أنحاء البلاد واتخذت الحكومة الكثير من التدابير لوقف نزيف العملة.
بالنظر إلى التجربة الفنزويلية، فإن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية عليها لم تؤتي ثمارها بعد والنظام ما زال قائمًا على الرغم من انهيار العملة المحلية وتردي مستوى المعيشة فيها. الأمر ذاته مع إيران لكن الموقع قد يلجأ النظام إلى تكرار التصعيد بعمليات تخريب في المنطقة ومن الأرجح أن يطول الحصار.
من المستبعد أن يجرؤ النظام على إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولية والذي سينظر إليه على أنه إعلان حرب والدول المستوردة بما فيها تلك التي تتعاون أو تبدي لينًا في موقفها من النظام الإيراني لن تقف حينها على الحياد. هذا والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال