الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التحليل الاقتصادي وإتجاهات التنبؤ الاقتصادي عملية دقيقة تبدأ فصولها بتحديد المشكلة وتشخيص مكوناتها ودوالها ضمن أدوات الاقتصاد الكمي القياسي ونماذجه أي العلوم الأساسية التي سيستخدمها كنموذج في معالم تقييم صحة الفرضيات ومن ثم تحديد فلسفة أدوات التحليل (القراءة الواقعية للنتائج الرقمية)، هذا النمذجة تحدد العلاقة بين المتغيرات والتي تشرحها الدوال الرياضية والبيانات الإحصائية والسلاسل الزمنية للخروج بالنتائج النهائية ومن ثم تفسيرها نظرياً سواء كان ذلك التفسير تخصصي بحت موجه للمهتمين بعلم الاقتصاد أو مبسطاً بلغة مفيدة للجمهور.
بيد أن الغالب في التنبؤات الاقتصادية ذات البعد الأقرب للنتائج ذلك الذي يربط بين (حقائق الأرقام وعقلانية التفسير) ومن المهم ان يُراعي التحليل الاقتصادي الشمولية في التفاصيل والمستجدات اللحظية وترابط السلسلة الزمنية وقياساتها ومقاربة نوعية المتغيرات أي من ذات القطاع والنشاط.
إن تلك النماذج كأدوات لم تتغير منذ بدايات القرن التاسع عشر عندما سبق تأسيس الجمعية الدولية للاقتصاد القياسي International Econometrics Association في عام 1930 محاولات علمية لعددٍ من المفكرين الاقتصاديين العالميين ممن أسس باكورة الاقتصاد القياسي مثل الاقتصادي النرويجي ريجنر فريش Frisch والذي عمل على تطوير نماذج اقتصادية ديناميكية اضافة الى الاقتصادي الأمريكي بيرسون W.M.Pearson والذي كان له عملاً مهماً في تحليل الدورات الاقتصادية وتقدير دوال منحنيات العرض والطلب ثم توالت لاحقاً الثقة بالإستمرار في توظيف هذه الأدوات القياسية حتى عصرنا الحاضر.
إلا أن هناك من يرى بأهمية تكثيف الجهود العلمية للخروج بنماذج جديدة تعتمد على البرمجيات التقنية أو حتى استخدام أدوات بنظريات جديدة، ومهما يكن أمر فإن أكبر معضلة تواجه التحليل الاقتصادي هي التنبؤ بالأزمات والفقاعات الكبرى فعلى سبيل المثال الركود الاقتصادي في 2007 و 2008 او ما يسمى بالانهيار الكبير والذي حطم مئات من مليارات الدولارات من الخسائر في القطاع المالي واندفاع اكثر من خمسة ترليونات دولار من الخسائر في الناتج المحلي الاجمالي للعالم وخسارة حوالي 30 ترليون دولار في سوق الأسهم العالمي والتي سبقها اطلاق (تحذيرات ولكن دون إجراءات احترازية تنفيذية) هو ما عزا ببعض مفكري الاقتصاد الحديث الى القول مجدداً بإمكانية حدوث أزمة مالية جديدة نتيجة لترسبات تلك الازمة والى مؤشر تعاظم مستويات الديون نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي GDP بوصوله الى اعلى مستوياته منذ الازمة السابقة.
في حين أن البعض يرى أن الفقاعة المالية تحدث فجأة وخارج اطار التنبؤات لأن الكل حالياً استوعب دورس الأزمات السابقة ويعمل تباعا، على تطبيق الاحترازات التي تمنع او تقلل من آثارها ناهيك على الجهود الدولية المبذولة لمعالجة التباطؤ الاقتصادي العالمي وإصلاح منظومة التجارة الدولية وتطوير أدوات السياسات النقدية والائتمانية بخلاف الأزمات السابقة .
من هنا يمكن القول بأن توظيف أي تنبؤات اقتصادية علمية على نحوٍ مغاير يجرد التحليل الاقتصادي من منهجية أمانة البحث العلمي والقيّم الثقافية وأخلاقيات الاقتصاد وبناءً عليه فإن الاقتصاد بالتالي لا يتسع لقياس أي تحيز لأنه يمتاز عن بقية العلوم الانسانية بلغة الأرقام ثم إن موضوع التنبؤ الاقتصادي Economic forecasting عملية حساسة موجهة أصلاً للبناء والتخطيط نحو التطورات والرؤى المستقبلية المفروضة كقيّم للظواهر الاقتصادية استناداً إلى الوضع الراهن وإلى العوامل المؤثرة في تطور تلك الظواهر فهو بذلك سيقدم حزمة من التقديرات الكمية والنوعية للظواهر والمؤشرات الاقتصادية في لحظة محددة أو لمدد زمنية معينة.
كما أنه يعتمد وبصورة أساسية على السلاسل الزمنية وعلى العلاقات التابعية والروابط التي تربط الظواهر الاقتصادية المختلفة بالعوامل المؤثرة فيها، وهذا بحد ذاته كافٍ للخروج به من اي معضلة اخلاقية وبقدرٍ عالٍ من الحيادية، وفي ذات السياق فإن السبب العميق لأي مشكلة اقتصادية وحلولها لابد وأن يأتي أولاً من منظومة هذه النمذجة لكي تبرز الأهمية بالإستعدادات والتدابير اللازمة بمسؤولية منصفة في شكلها العلمي والتطبيقي ومن ثم البدء بالعمل المستمر على تطوير مكونات الاقتصاد الكلي وتقويته وتعزيز قدرات عناصر الانتاج وتطوير المهارة والمعرفة في الموارد البشرية وخلق المزيد من فرص التنوع والإستدامة ومعالجة القضايا المتشابكة مع بعضها البعض حتى وإن حدثت اي أزمة فإن الآثار والأضرار تكون أقل .
مجمل القول : التنبؤات الاقتصادية غالباً لا تنتهي بنتيجة واحدة ثابتة في معظم قياسها للمؤشرات بل انها تُراجع بصفة دورية وفق المعطيات والمستجدات على أرض الواقع أي انها تتجدد لتقريب المسافة بين نتيجة التوقع وما حدث وسيحدث لاحقاً فهي تتشكل على اساس مهني بحت ، فالعالم اليوم بات أكثر وعياً بأهمية الاقتصاد والذي يراهن على أن قوة الاقتصاد هي الحصان الذي يقود العربة نحو أي إتجاه يريد.
وهنا تبرز اهمية المحافظة على تطوير وصيانة مكونات الاقتصاد وقياس مؤشراته ونتائجه المتواصلة ، بينما أدوات تحليل النظرية الاقتصادية تبق في مجملها ثابتة ومحايدة ولا تحتمل أي توظيف شخصي عابر على الإطلاق وكلما كانت تلك الأدوات متكاملة تنفيذياً صُنع منها اقتصاداً حديثاً بخيارات واسعة تواكب متطلبات العملقة الاقتصادية بآفاقها الواعدة التي ستجنب أي اقتصاد الكوارث والأزمات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال