الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تزيد الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الغاز الطبيعي، وهي مجمل ما سيتم استخراجه مستقبلًا من باطن الأرض بعد استيفاء الدراسات الجيولوجية والهندسية والاقتصادية، بحسب تقرير شركة البترول البريطانية الإحصائي الأخير عن الـ 6950 تريليون قدم مكعب. تتواجد معظم هذه الاحتياطيات في طبقات رسوبية تقليدية يمكن استخراجها بتقنيات حالية غير معقدة وفي الظروف الاقتصادية الراهنة والأهم مما سبق بربحية عالية للمنتجين.
على الرغم من ضخامة الاحتياطيات التقليدية السابقة إلا أن الكثير من الدراسات التي أجرتها مراكز أبحاث وهيئات متخصصة كالهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي US Geological Survey أشارت إلى موارد ضخمة من نوع أخر أطلق عليه اصطلاحًا الغاز الصخري. الغاز الصخري هو غاز طبيعي عالق في طبقات من الصخر السجيل تعرف بالأحواض وهي ذات مسامية ميكروسكوبية أصغر بمئات المرات من قطر شعر الانسان والتي بسببها يصعب استخراجها بالتقنيات التقليدية مما يتطلب استخدام تقنيات متطورة كالحفر الأفقي بكافة أنماطه والتكسير الهيدروليكي على اختلاف درجاته لذا نجد أن تكلفة الاستثمار في هذه الأحواض عادة ما تكون عالية نسبيًا. بسبب طبيعة هذه الأحواض، فإن العمر الافتراضي لآبار الغاز الصخري أقصر من التقليدي مما يستدعي تكثيف عمليات الحفر للحفاظ على معدلات انتاج ذات ربحية للشركات المطورة.
بحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية Energy Information Administration، تزيد موارد العالم من الغاز الصخري عن 7576 تريليون قدم مكعب والتي يمكن استخراجها باستخدام تقنيات متقدمة كالحفر الأفقي بكافة أنماطه والتكسير الهيدروليكي على اختلاف درجاته. نسبة ما تملكه أمريكا من هذه الموارد هي 622.5 تريليون قدم مكعب أي 8% من مجمل هذه الموارد. على الرغم من ضآلة هذه النسبة تهمين الولايات المتحدة في صناعة الغاز الصخري ولا يقارعها أحد في انتاج الصخري بنفس الوتيرة حتى هذه اللحظة لعوامل سأتطرق إليها في هذه السلسلة.
لفهم هذه العوامل، لا بد أولًا من فهم المراحل التي مرت بها صناعة الغاز الصخري في أمريكا وكيف انفردت تجربة أمريكا عن غيرها من الدول.
تاريخ الغاز الصخري:
في الحقيقة, لم يكن الغاز الصخري وليد اللحظة بل تعود جذوره إلى بدايات استكشاف النفط في أمريكا حيث تم حفر عدد من الآبار في أحواض صخرية إلا أنه بسبب شح انتاجه وسرعة نضوبه تفاداه المنتجون وانصب جل تركيزهم على الغاز التقليدي الأسهل استخراجًا والأكثر انتاجًا والأوفر في التكاليف.
في عام 1977، قامت إدارة الطاقة الأمريكية Department of Energy بدعم سخي للأبحاث لمعرفة امتداد طبقات السجيل الصخرية ودراسة خصائصها الجيولوجية ومقدار ما فيها من نفط وغاز وكيفية استخراجهما بالإضافة إلى عدد من التجارب العملية إلا أن مثل هذه الأبحاث والتجارب لم تلقى اهتمامًا من قبل الشركات النفطية الكبرى التي كان جل تركيزها منصبًا على توسعة عملياتها في استخراج الغاز التقليدي محليًا ودوليًا. كما أن هذه الأبحاث والتجارب مكلفة وليس بمقدور شركات صغيرة أو ناشئة القيام بها وهنا يبرز التكامل بين القطاعين العام والخاص.
استفاد رواد “نفطيون” كجورج ميتشل ومارك بابا وغيرهما من هذه الأبحاث وقاموا بتكييف تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي وغيرهما لتناسب بيئة الأحواض الصخرية إلا أنهم واجهوا تحديات في معدلات النضوب السريع كما أشرت سابقًا والتي سرعان ما تغلبوا عليها برفع كفاءة عمليات الحفر والانتاج والتخزين والشحن والتسليم.
أسس هؤلاء الرواد عددًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعرف بإسم المستقلة والتي تحولت فيما بعد إلى شركات متوسطة تنافس الشركات الدولية وقد تطرقت إليها في سلسلة مقالات بعنوان: “الشركات المستقلة وذروة انتاج الصخري“.
لمواكبة النمو المتزايد في عمليات الحفر وإنتاج النفط والغاز الصخري، اعتمدت هذه الشركات على الاقتراض من البنوك أو الدخول في شراكات مع مستثمرين أو عبر طرح سندات. تشير الكثير من التقارير إلى صعوبات تواجهها هذه الشركات في سداد ديونها المتراكمة وزاد عدد الشركات المستقلة التي أشهرت إفلاسها عن 170 شركة منذ 2019 والأرقام في تزايد وهو أمر سأتحدث عنه في مقال لاحق.
تزامنت تلك الحقبة ما زيادة في أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية حيث كانت أمريكا تستورد معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من الخارج خصوصًا من كندا. منذ 2005 ازدادات صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي وفي عام 2017 زادت صادراتها عن واردتها من الغاز لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وبحلول مايو 2019 أصبحت أمريكا تستهلك 90% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المنتج المحليًا. في العام الماضي، أنتجت أمريكا من الغاز الطبيعي ما يعادل 80 بليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وهو الأعلى عالميًا متجاوزة روسيا التي هيمنت في هذا المجال لعقود. أرقام لا تدعو للشك كيف لإرادة وطموح شركات صغيرة ومتوسطة أن تقتنص فرصًا مهمشة وتحويلها إلى تجارية وتنافسية ساهمت بما لا يزيد عن 4% من الناتج الأمريكي الإجمالي.
ويظل السؤال قادمًا، هل تظل التجربة الأمريكية حكرًا عليها أم ستشهد الصناعة ثورة في إنتاج الغاز الصخري في مناطق أخرى حول العالم؟ لماذا لم تشهد الدول المجاورة لأمريكا ثورة في إنتاج الصخري على الرغم من ضخامة مواردها من الغاز الصخري كالمكسيك وكندا؟ للإجابة على هذين السؤالين لا بد من فهم جميع العوامل التي ساهمت في نهضة الصخري في أمريكا منها ما قد أشرت إليه في هذا الجزء وأخرى سأختم بها الجزء الثاني من هذه السلسلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال