الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أشرت سابقًا إلى الدور الكبير الذي قامت به إدارة الطاقة الأمريكية ومراكز الأبحاث في بلورة فهم طبيعة الأحواض الصخرية وخصائصها وما قام به الرواد النفطيون كجورج ميتشل من الإستفادة من هذه الأبحاث والتجارب والقيام بتطوير تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي بالإضافة إلى رفع كفاءة عمليات الحفر و الانتاج لتتحول مشاريع الغاز الصخري إلى مشاريع ذات عوائد مجزية.
من أصعب التحديات التي تواجهها أي صناعة في مرحلة النمو هو التكامل بينها وبين القطاع العام ويعزى نجاح إنتاج الغاز الصخري في أمريكا إلى التكامل بين هذين القطاعين. مع تزايد إنتاج الغاز الصخري، قامت العديد من الولايات والمقاطعات بتسهيل الإجراءات الحكومية ومنح خصومات ضريبية وتوفير البنية التحتية لتحفيز المنتجين على الاستثمار في هذا المجال. في المقابل، ساهمت الشركات النفطية بخلق وظائف في القطاع النفطي و القاطاعات المساندة والخدمية وانعكس على إيرادات الولايات والمقاطعات بشكل كبير.
ما هي العوامل التي انفردت بها صناعة الغاز الصخري في أمريكا دون غيرها حتى الآن؟
في تقرير نشرته جدوى للإستثمار بعنوان “نظرة مستقبلية على إنتاج النفط والغز الغير تقليديين: تركيز على الصخري وأثره على إنتاج المملكة” أشار الباحثون إلى 4 عوامل رئيسية ساهمت بثورة إنتاج الغاز الصخري. قمت بإعادة صياغة هذه العوامل وإعادة ترتيبها وهي كالتالي:
1- معرفة وإلمام بجيولوجيا الأحواض الصخرية
2- الاستخدام الأمثل للتقنيات المتقدمة وتطويرها المستمر
3- توفر أسعار بيع غاز مواتية
4- توفر دعم حكومي مباشر وغير مباشر (كالحوافز الضريبية وتخفيف القيود البيئية وتسهيل استخراج التراخيص)
5- عوامل أخرى (كتقبل المجتمع والتسهيلات التمويلية وغيرها)
لا تمتلك معظم الدول التي تتواجد في أراضيها غازًا صخريًا معظم هذه المقومات السابقة وسأتطرق إلى بعض الأمثلة للتوضيح:
المعرفة والتكنولوجيا:
تفتقر معظم الدول، على سبيل المثال، إلى الخبرات والمختصين الذين بإمكانهم دراسة الموارد الصخرية وفهم طبيعتها وتطبيق التقنيات المناسبة والإشراف على عمليات تطوير الحقول الصخري المعقدة. لهذا السبب، تلجأ الكثير منها عبر شركاتها الوطنية كأرامكو السعودية إلى توظيف خبراء جيولوجيين أو مهندسين Production Technologists متخصصين في تقنيات انتاج الغاز الصخري أو ابتعاث موظفيها للدراسة في الجامعات الأمريكية أو الانتداب للعمل في شركات نفطية دولية. الأكثر شيوعًا هو التحالف مع شركات نفطية كبرى في تطوير مشاريع الصخريلقصر الفجوة وتسريع وتيرة إالانتاج على الرغم من بعض التحديات في هذا الجانب وهو ما قامت به والأرجنتين كما سنرى لاحقًا.
الدعم الحكومي:
توفر البيئة المحفزة والآمنة على الاستثمار في هذا القطاع هي من الأمور التي ينشدها المستثمر المحلي أو الأجنبي. تمتلك المكسيك، على سبيل المثال، موارد من الغاز الصخري تقدر بـ 545.2 تريليون قدم مكعب مقاربة في الضخامة والخصائص الجيولوجية لجارتها الأمريكية لكنها مع هذا تستورد الغاز من أمريكا وإنتاجها من الغاز الطبيعي لا يلبي الطلب المحلي.
تمتد العديد من الأحواض الصخرية الأمريكية عبر الحدود إلى المكسيك كحوض Eagle Ford ومع هذا لم تنجح المكسيك بعد بتطوير إنتاج الصخري في الأحواض التي تقع ضمن حدودها بسبب العراقيل الحكومية والبيروقراطية.
قبول المجتمع:
تنطبق معظم العوامل السابقة أعلاه على بريطانيا التي تمتلك الكثير من الغاز الصخري ولديها شركات قابلة لاستخراجها كشركة البترول البريطانية لكن التكسير الهيدوليكي غير مقبول مجتمعيًا بل تلقى معارضة شرسة بسبب تقارير غير علمية تربط بين التكسير والزلازل ومزاعم بتلويث المياه الجوفية عدا عن القيود الحكومية التي تقيد استخدام المياه الجوفية في عمليات الحفر والتكسير.
هل يعني هذا أن الغاز الصخري ما زال حكرًا على أمريكا؟
هنالك جهود حثيثة لتطوير حقول الغاز الصخري عالميًا كما في الأرجنتين والصين والسعودية وغيرها لكنها ما زالت في في طور التعلم وقد تتحول إلى قفزات كبيرة في الانتاج قريبًا.
تشهد الأرجنتين، على سبيل المثال، منذ 2014 نهضة في انتاجها من الغاز الصخري والذي تملك منه ما يقارب الـ 801 تريليون قدم مكعب وقامت مؤخرًا بتصدير غازها للأسواق العالمية. يقع حوض Vaca Muerta، أضخم حوض غاز صخري في الأرجنتين، في أماكن غير مكتظة بالسكان وتتوفر فيه منشآت غاز متكاملة جاهزة للتصدير.
لتسريع وتيرة فهم جيولوجية الأحواض الصخرية والتطبيق الأمثل للتقنيات، قامت الشركة الوطنية الأرجنتينية بعقد تحالفات مع عدد من الشركات الدولية كشركة شيفرون الأمريكية.
تشير الكثير من التقارير إلى ثورة مقبلة في إنتاج الأرجنتين من الغاز الصخري لكن القفزات الهائلة التي مرت بها أمريكا، في رأيي، اعتمدت على تنافسية حادة وروح مجازفة عالية بين عدد كبير من الشركات وفي حالة الأرجنتين قد تحدث القفزات لكنها، في رأيي، لن تكون بذات الزخم الذي أحدثته صناعة الغاز الصخري في أمريكا.
هل ستنتقل عدوى الصخري حول العالم؟ لما لا. ما دامت هنالك إرادة ورؤية واضحة المعالم وتكامل بين عملي القطاعين العام والخاص فإن الصناعة النفطية العالمية ستشهد تزايدًا كبيرًا في إنتاج الصخري في عدد من الدول ينافس الأمريكي في عقر داره، وما الأرجنتين وغيرها من الدول عنها ببعيد؟ هذا والله أعلم
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال