الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الوقت الذي جاء فيه الأمر الملكي السامي بمنع جميع الوزارات والجهات الحكومية من التعاقد مع المكاتب والشركات الأجنبية العاملة في مجال الاستشارات وأن يكون مقتصراً على ذوي الخبرة من السعوديين والشركات الوطنية، يخرج علينا صندوق النقد الدولي بتوصية ليست ذات صلة بواقعية مجتمعنا ولا تقوم على قراءة صحيحة.
بالرغم من أن كل تقارير صندوق النقد الدولي حول إنجازات رؤيتنا تؤكد إيجابية النتائج خاصة المالية. الا ان توصيته التطوعية وبصيغتها الإيحائية بأنه “يتعين على المملكة (أو يجب على المملكة مراعاة) رفع ضريبة القيمة المضافة الى 10%” – دون ذكر أي سبب مقنع يدعم هذه التوصية – سببت شيء من البلبلة. وللأسف فإن أغلب الذين أبدوا قلقهم في مجتمعنا ربما يجهلون الكثير مما يساعدهم لفهم مثل هذه التوصيات.
والسؤال يبني نفسه هنا: من هو هذا الصندوق، وبأي صفة يعطي توصيات، وعلى ماذا بنى توصيته بحقنا؟
هناك أربع حقائق لا بد أن نتنبه لها عندما نتناول تصريحات الصندوق عنا أو حتى عن غيرنا.
الحقيقة الأولى:
هي ان عدد اعضاء الصندوق 189 دولة. والمملكة ليس فقط عضو فيه، بل ومن ضمن اعضاء المجلس التنفيذي الذي يوجد فيه ثمانية اعضاء بأصوات منفردة وقوة تصويتية (مستقلة). هم المملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة، روسيا، اليابان، ألمانيا، الصين، المملكة المتحدة، وفرنسا. والمملكة من كبار المشاركين في هذا الصندوق.
الحقيقة الثانية:
هي أن هذا الصندوق متاح للدول الأعضاء أن تقترض منه. الغرض من هذه القروض أن تخدم الدول المقترضة للوقوف الفوري أمام أزمة مالية خانقة ووقتية وليس بغرض التنمية.
الحقيقة الثالثة:
هي ان الصندوق لديه مدخل على كل المعلومات عن أعضائه. ويقوم بدراساته وابداء توصياته في شكل تطوعي أو إذا طلبت دولة ما منه ذلك. ولكن لغة الصندوق جافة لأنها لغة اقتصاديين – في الغالب – لا علاقة لهم الا بالأرقام الظاهرة امامهم. ولا علاقة لهذه الأرقام بأي ظروف أخرى. هي أرقام بحتة من المفترض انها مرتبطة بظروف الإقراض فقط.
الحقيقة الرابعة:
هي أن بيننا افاضل من المعتبرين انهم متخصصين ومفترض أن يشرحوا للجمهور العام ما هي الحكاية. ولكن – للأسف – يزيدون من قلقهم من خلال عنتريات يواجهون بها ما صدر من الصندوق ويذكرون كلمات لقادة دول في حق الصندوق – وهي صحيحة غالباً – ولكن بدون تعريف أن توصيات الصندوق غير ملزمة وليست بالضرورة تعكس الواقع المعقد.
إذا عكسنا هذه الحقائق على ما “تفضل” به الصندوق علينا من خلال توصيته، سنجد أن متوسط الضريبة المضافة عالمياً حوالي 16%. ومسألة ال 5 % لدينا تعتبر نسبة متدنية وغير منطقية لهم. اقتصاديي صندوق النقد – الذي ليس به اي خبراء في مجالات اخرى مثل العلوم الاجتماعية او السياسية او التربوية او البيئية – ينظرون لهذا الرقم دون اي اعتبار لأي معطيات أخرى.
إضافة، هذه المنظمة ليس بها علماء وخبراء سعوديون في الاقتصاد ما عدا – ربما – بعض المتدربين المبتعثين لها (يحاول الصندوق الان استقطاب كفاءات اقتصادية سعودية محترفة للالتحاق به). وهذا يضيف الى محدودية التبصر لديهم في ظروفنا وسياساتنا او كيف نفكر ونتعامل مع التحديات.
وأيضاً، يستخدم الصندوق لغة نعرفها جيداً في المحيط العلمي الأكاديمي. وهي لغة مقبولة عند الأكاديميين لأنها محفزة لاستمرارية البحث العلمي. لكن هذه اللغة تعتبر جافة وربما تستفز الجمهور العام.
أسلوب طرح صندوق النقد الدولي القديم لتوصياته لا يجعلنا نُهمِّش الكثير منها، بل ويقلقنا على مستقبل الصندوق. لذلك ربما على الصندوق أن يراعي ألا يستمر في استخدام صيغة خطاب جافة. وأيضاً أن يتنبه لنبرته الإيحائية عند إبداء توصياته في الاعلام. وأن يركز على تطوير منظومته بتطعيم جهازه العلمي المكون مما يقارب 2700 اقتصادي بخبراء في عدة مجالات مرتبطة بحال الدول والشعوب حتى تكون توصياته “التطوعية” والغير ملزمة أكثر واقعية. وتعطي انطباع إيجابي بأن الصندوق أداة دعم للدول الأعضاء في اللحظات الحرجة فقط والتي ربما تتطلب تدخل جراحي مؤلم ولكنه ضروري.
واخيراً، بعض المحسوبين على الاقتصاديين لدينا – ممن يمررون توصيات صندوق النقد الدولي إلى العامة بطريقة تثير قلقهم – ربما أفضل لهم أن يغيروا من نهجهم هذا. وأن يركزوا على تفنيد توصيات صندوق النقد الدولي بطريقة تشرح للمواطن البسيط بأنها هي توصيات فقط. وايضاح اللغط فيها في حال عدم منطقيتها أو عندما لا تقوم على أسباب وجيهة. والأهم هو إيضاح أن رؤيتنا لم تشق طريقها بناءً على التوصيات والاستشارات الأجنبية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال