الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتداول الناس مصطلح الاستدامة بوصفها تعبيراً بيئياً يوضح كيفية بقاء النظم الحيوية حولنا سليمة ومحافظة ومنتجة مع مرور الزمن، وهذا كله يعتمد على التزامنا بالحفاظ على الطبيعة والاستخدام الموزون للموارد الطبيعية، في الحقيقة لا يوجد تعريف موحدٌ ومقبولٌ عالمياً للاستدامة، فنحن نجد بعض الشركات تبسط مفهوم الاستدامة على أنها التقليل من انبعاثات الكربون لديهم، وتارة نسمع على أنها إعادة تدوير لمواد أكثر، أو كفاءة أكثر للطاقة، ولكن أي هذه المفاهيم هو الأصح؟ والجواب: كلها صحيحة اعتماداً على نشاط الشركة؛ المهم هو أن الجميع متفق بأن مفهوم الاستدامة يصب في تحسين نوعية الحياة البشرية؛ والتي منها توفير عوائد اقتصاديّة من المواد الخام المُعاد تصنيعها، وتقليل نسبة البطالة عن طريق توفير فرص عمل بشركات تدعم الاستدامة… إلخ، لقد قدّرت دراسة اقتصادية صادرة من جامعة الدول العربية حجم الخسائر الناجمة من الدول العربية بسبب تجاهلها إعادة تدوير المخلفات بنحو خمسة مليارات دولار سنوياً؛ وهذا يستدعي بشكل عاجل الى التحول الى استراتيجية الاستدامة عبر أبعادها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك حاولت في هذه المقالة أن أتناول بشكل مختصر ماهي أفضل الممارسات العملية من أجل تعزيز ثقافة الاستدامة ودورها في تحسين جودة الحياه في المملكة العربية السعودية.
إن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة؛ لذلك فإن الاستدامة لا تهدف فقط من أجل المُحافظة على البيئة؛ بل أيضا تسعى إلى تقليل استهلاك والطّلب على الموادّ الخام؛ ويؤدي ذلك بالتّالي إلى استمرارها لفترة زمنيّة أطول من أجل الأجيال القادمة، لاشك أن تنفيذ برامج الاستدامة يتطلب جهدًا جماعيًا كبيرًا؛ فمن الواضح تماماً بأننا نعيش بطريقة غير مستدامة على الاطلاق؛ مما يتطلب منّا التفكير جدياً في تغيير كيفية إعادة استغلالنا للموارد الطبيعية إلى منهجية أكثر استدامة؛ فمن أهم تأثيرات البشرية على النظم الأرضية هو تدمير الموارد الطبيعية؛ ولذلك يجب تطبيق ممارسات أكثر صرامة في إدارة هذه الموارد على عدة قطاعات مثل الصناعة التحويلية والزراعة وغيرها، يجب أيضا تعزيز وتشجيع ثقافة الاستدامة الفردية عبر تغيير أسلوب حياة الأفراد والمجتمعات من خلال تقليص استخدام مصادر الأرض الطبيعية وحتى الشخصية، كمثال على أسلوب حياة مستدامة رأينا نماذج صحية من بيوت مستدامة مشيدة باستخدام الطرق والمواد المستدامة، يجب كذلك التشجيع على استخدام الطاقة المتجددة المستدامة مثل طاقة الرياح والمياه والطاقة الشمسية والتي يمكن من خلالها تقليص انبعاثات الكربون من خلال تغيير طرق النقل واستهلاك الطاقة.
كنموذج آخر فإنه يجب بشمل حثيث تعزيز ثقافة إعادة تدوير النفايات بحيث تُحَوَّل إلى المادة الخام، لتُصنّع من جديد فيرجع استخدامها والاستفادة منها مرّة أخرى من أجل حماية الموارد البشرية وتقليص النفايات، رأينا الكثير من النماذج الرائعة في الكثير من القطاعات الخاصة والعامة في عدة دول تهدف الى الاستفادة من نفاياتها بهيئة أفضل وتكون ذات منفعة اقتصاديّة عالية؛ ويشمل ذلك إعادة تدوير القوارير الزجاجية وتدوير الورق والكرتون وإطارات السيارات …. الخ، وتُعتبر اليابان وبعض دول شمال أوروبا من الدّول الرّائدة في عمليّة إعادة التّدوير؛ حيث تنتشر ثقافة إعادة التّدوير بين جميع فئات المجتمع، بل رأينا منصات إعادة تدوير موجودة في أماكن عامة بما فيها الأسواق التجارية؛ لذا يجب الاستفادة من تجارب تلك الدول ومحاولة تطبيقها في كافة أنحاء المجتمع لدينا، رأينا أيضاً نماذج فعالة سواء في تدوير الألمنيوم الذي يُصنَع به علب المشروبات الغازيّة، والمُعلّبات الغذائية، أو البلاستيك، أو الزجاج، حيث تبدأ عمليّات إعادة تدوير النفايات من المنازل والمدارس والأجهزة الحكوميّة عن طريق وضع ماكينات صغيرة لوضع القوارير أو العلب بها حسب نوع المادة، إضافة الى ذلك فإنني أقترح إنشاء مصانع ومراكز تدوير لمواد أخرى مثل الورق بعد جمعه من الكراسات والكتب التّالفة ليتم إعادة تدويرها لصنع الأكياس الورقيّة على سبيل المثال، وأيضا إعادة تدوير الطّعام المهدر أو التّالف ليُصنَع منه الأسمدة العضويّة و الأعلاف، وكذلك إعادة تدوير زيوت القلي المُتكرّر في البيوت والمطاعم لاستخدامها كزيوتٍ للتّشحيم، لدينا مع بالغ الأسف الكثير من هدر المياه -بما في ذلك مياه الغسيل، والاستحمام، وحصاد مياه الأمطار-؛ لذلك ينبغي التفكير جدياً في كيفية إعادة استخدام الماء مجدداً في أماكن أخرى مثلا لسقي الحدائق أو كمياه شرب للحيوانات والنباتات.
لكن مازال لدينا العديد من العوائق التي تمنع من تقدم الاستدامة: أولها الجهل أو “التجاهل”؛ لذلك نحتاج بداية بث ثقافة الاستدامة على كافة شرائح المجتمع في الجامعات والمدارس والشركات وغيرها من الأماكن، حيث يعتبر نمط السلوك الاجتماعي والثقافي والاستهلاكي السيئ هي أحد أبرز التحديات، كذلك يوجد الكثير من الشركات التي تتغافل عن الاستدامة خوفا على أرباحها؛ بل حتى بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة ترامب الذي كان دائماً يعاكس كل الجهود التي تبذل لمواجهه التغيير المناخي بهدف حماية أرباح وعوائد الشركات الأمريكية التي تتصدر أولوياته؛ مما يمنعها من التخطيط لتبعات التغير المناخي؛ والاستثمار بخطط مواجهته على المدى البعيد.
وفي الختام أرى أنه من الواجب المبادرة بوضع استراتيجيات ترشيد الحفاظ على الموارد من أجل تعويد أفراد المجتمع على العيش بطرق أكثر استدامة، بدءاً من إعادة تنظيم سلوك الحياة الفردية التي تحافظ على الموارد الطبيعية، و تشجيع أفكار الاستدامة (مثل: المباني الخضراء، والزراعة المستدامة، والمدن المستدامة)، مع مراجعة ممارسات العمل في الهندسة المعمارية لتكون أكثر استدامة، وذلك باستخدام أحدث التقنيات (مثل: تقنية بيئية، والطاقة المتجددة)، هذا كله يجب أن يطبق بالتزامن مع نشر ثقافة إدارة الجودة الشاملة وأفكار الاستدامة في كافة المجتمع مع تدريس ممارسات الاستدامة في الجامعات والكليات وطلاب المدارس.
———
balmangour@gmail.com
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال