الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من سوء حظ علم الاقتصاد أنه من اعقد العلوم تحليلاً ومن أسهلها نسقاً في تقميصه النهج الأنثروبولوجي كإنتاج سلوكي لمحتوى اقتصادي ثقافي عند إسقاط التحليل الماكر أو الباطش المصحوب بأساليب المخالفة كيفما يكون ، هذا الأمر فتح في الإعلام الاقتصادي الفرصة الواسعة لظهور ( الاقتصاديون المتضجرون ) والذين تنطلق جل معاييرهم بمحتوى خالف تعرف !
الغريب أن لهؤلاء جمهوراً عريضاً ليس لأنه صادق ومحق بل لأنهم يريدون ذلك ، كإرادة واهية في حين يعلمون أنها واهية ولأنهم لا يعرفون من الاقتصاد إلا عمومياته ، بيد أن المُحصلة النهائية ستكون تحصيل حاصل وبهوت ، هناك الكثير من وسائل الإعلام التي ترحب بهم وتفتح لهم قنواتها ووسائلها المختلفة ليس لمصداقيتهم أو لموضوعية طرحهم ولكن لسياسة إعلامية فاشلة لا تعترف سوى ( بالإثارة لجذب الجمهور ) ، فالمحتوى الدقيق آخر اهتمام تلك الوسائل ، أقول هذا وأنا أتابع العديد من المقاطع الفيلمية أو المقالية في شبكات الانترنت أو حتى تغريدات تويتر ، ويمكن القول بأن هذه الظاهرة قد وجدت طريقها بشكل أقوى منذ بدايات الانترنت والمنتديات فشبكات التواصل الاجتماعي فالقنوات الفضائية المختلفة .
الاقتصاديون المتضجرون في حقيقة الأمر اتخذوا باحتراف شعار “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب” كأيقونة من الجهد الإعلامي الذي لا يمكن أن يحيد عنه حتى وإن كان يدرك أنه مغلوط ! ولإحقاق الحق حاولت وعلى مدى أكثر من شهرين التعمق في اتجاهات الخلاف والاختلاف تبعاً لذلك .. لكني في حقيقة الأمر وصلت إلى مراجعات كثيرة تتفق وبشدة مع حيادية هذا العلم النبيل البعيد كل البعد عن مثالب التوظيف الغير موضوعي إذْ يبق الأمر في اعتقادي داخل إطار الضجر لتحقيق الأنا !
إن الميول إلى المخالفة الممهورة بالحدة والعصبية لا تؤثر في الفهم المنطقي للاقتصاد ، والسير به في الاتجاه الآخر حتماً لن يُوصِل إلى الوجهة الصحيحة والمأمولة والناضجة ، لم تَخْلُق العبقرية النكدية إلا الكثير من الإسقاطات الذريعة والنزق المزاجي الضيق بحدود صاحبه ، إن متعة الاقتصاد تكمن في أسلوبه الراقي وفلسفته الأخلاقية ، وأغلب عباقرته ومفكريه الكبار هم من ربط البعد الفلسفي بالنظرية التحليلية التي خلقت مساحات من حراك الذهن المنسجم مع ثقافة المجتمع في التوعية والإدراك والخطاب ، هذا الخطاب الذي لا يتسع للمجاملات والتدليس،لأنه ببساطة نتيجة وواقع في علم الاقتصاد تحديداً .
ومهما يكن من أمر فإن علم الاقتصاد لا يستحق هذا الإجحاف والتسطيح الفكري أو أي شيء من هذا القبيل ذلك لأن مثل هذا السلوك أشبه ما يكون بالعملة المزيفة التي لا تحمل من قيمتها سوى شيء من ثمن الورق والألوان لا تلبث أن يشعر بها الإنسان من أول لمسة أو نظرة ولا يمكن بأي حال صهر قوالب الضجر إلى مقولة الرأي الآخر ، يقول المفكر الاقتصادي الكبير جون ستيوارت مل : إن الرأي لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا دخل واقع التجربة والتمحيص ، وإن هذا الرأي ما لم يواجه تحدياً من وقت لآخر فإنه سيفقد أهميته وتأثيره .. أي إن المحصلة النهائية للرأي مصداقية النتائج على أرض الواقع .
مجمل القول : في لغة الأرقام ننظر اليوم لهذا الواقع الاقتصادي بمكبر عملاق من زاوية أخرى تتفوق على مفاهيم التجديف والضجر المصطنع فالاقتصاد اطار جميل من القيم الأخلاقية المرتبطة بالعلم والنشاط الاقتصادي والخيارات المثلى والمصالح التي تخدم الأوطان ، الأفكار والآراء لا يمكن لها أن تُحجب في ظل هذا التعاظم الإعلامي المتنوع ، وسائل متعددة ومتغيرة ومتزايدة ستزيد حتماً من حالات التنمر الاقتصادي وستخلق المزيد من المتضجرين لكسب الجمهور المتعطش للحقيقة ولغير الحقيقة لكن يبقى الأمل منشوداً نحو رقابة الذات ومحكمة الضمير وأخلاقيات وسلوك هذه المهنة العميقة بعمق مفكريها الكبار ، آدم سميث ، كينز ، ستيوارت مل ، ريكاردو ، فريدمان ، وابن خلدون. فهيا معاً الى اقتصاد عظيم .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال