الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لاحظنا جميعاً وبالأخص المشتغلون في القطاع الخاص كيف أن البيئة التي تعمل فيها الأعمال والمنظمات التجارية تتغير بوتيرة سريعة، فالبيئة التنافسية آخذة في التحول بانتظام؛ وهناك تأثيرات كبيرة بسبب التحولات التقنية الهائلة والتكنولوجيات الناشئة التي تكتسب قوة التغيير السريع و بشكل مستمر، بدرجة أو بأخرى فإن كل صناعة حولنا تتأثر بهذا الواقع، وهذا يعني أن مؤسستك يجب وبشكل عاجل أن تتكيف مع التغيير، في الواقع إذا كانت الشركة تحافظ ببساطة على مكانها في الوضع الراهن للسوق فإن مكانتها سوف تتدهور، وقد تفقد مركزها في السوق، وفي نهاية المطاف من الوارد أن تغلق أبوابها، وما من شك بأن الذكاء الاصطناعي سيسهم في تغيير الكثير من الحركات والوحدات التجارية، فهي الداعم الحقيقي لقيادة ونجاح مشاريع الذكاء الاصطناعي؛ لأن تحليل البيانات هو ببساطة وسيلة لحل المشاكل التجارية، ومن أجل الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي معرفياً واقتصادياً قامت المملكة مؤخراً بإنشاء هيئة جديدة باسم “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي”، حيث تشير الدراسات أن الذكاء الاصطناعي سيضيف ١٣ تريليون دولار الى الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل، ولكن يبقى السؤال كيف يمكن أن نهيئ الأرضية المناسبة لها وما هو أفضل نموذج مؤسسي لتنظيم الذكاء الاصطناعي من أجل الاستفادة منه؟
في الحقيقة وحتى في هذه اللحظة لم تستثمر معظم الشركات في الذكاء الاصطناعي إلا في نطاق برامج تجريبية ولتطبيقات محددة، فلماذا هذا التجاهل؟ لاشك بأن هناك الكثير من العوائق الثقافية والتقنية والإدارية الصعبة، وأولها الاعتقاد بسرعة الحصول على فوائد ومكاسب سريعة بمجرد البدء بتشغيل أدوات الذكاء الاصطناعي بسبب نظرة المسؤولين الضيقة، وجدنا أيضا أن بعض الشركات التي استثمرت في أدوات التكنولوجيا بيد أنها تعرضت للفشل بسبب عدم تملكها إلى استراتيجية واضحة، فتجدها لا تفهم طبيعة أهم المهارات والمهام التي يحتاجها برنامج قوي للذكاء الاصطناعي، في المملكة على وجه الخصوص أرى أن أحد التحديات الكبيرة هو أن أغلب شركاتنا لم تُخلق كشركات تكنولوجية أصلا، ولذلك فإن طرق العمل التقليدية فيها تسير في اتجاه معاكس للعقليات والمنهجية التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي، إضافة الى عدم التوافق بين ثقافة الشركات وهيكلتها وطرق العمل فيها.
لتقديم الذكاء الاصطناعي في الشركات بصورة أكثر فعالية فأنا أرى أهمية بالغة في فهم العوائق التي تقف في طريق التغيير، بدايةً يجب التشجيع على التعاون بين كافة الاختصاصات -من خبراء تحليل البيانات الى العمليات التجارية- مما يعزز من تقوية المهارات وتبادل الآراء و تفعيل المبادرات، عادة يتخذ الناس قراراتهم لوحدهم أو من توجيه المدير وليس بناء على التوصيات اللامركزية التي تقدمها الآلة الذكية؛ مما قد يفضي الى عدم تقدير علم الذكاء الاصطناعي بين الناس وتجاهل التوصيات التي تقدمها، على سبيل المثال: بعض الناس يقول: إنه من الراجح أن تتقلص الوظائف مع انتشار الذكاء الاصطناعي؛ وهذا الأمر الذي جعلهم يرفضونها، ولذلك يجب توفير الحوافز الداعمة للتغيير ابتداء من جميع الطبقات العمالية التي يجب أن تدرك أهمية التقنية للمؤسسة، ومعرفة دورهم بعد تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي، والاطمئنان بأن التقنية ستعزز دورهم بدلا من أن تؤدي الى تلاشيها، وماهي فرص الاستثمار الأفضل، والمبادرات الأكثر منفعة، والتدريبات التي يجب أن تقدم… إلخ، من هذا المنطلق يتوجب على قادة الشركات السعي للجمع بين تجارب الموظفين ومهاراتهم وما بين التوصيات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي حتى تساهم في زيادة الأرباح، لتحسين عملية التوافق فنحن نستطيع المقارنة بين توصيات أدوات الذكاء الاصطناعي وبين المقدمة من الأفراد؛ وبالتالي يمكننا أن نشجّع المسؤولين ونجعلهم أكثر انفتاحاً لتبني أدوات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي ستنمو قدرة الموظفين على اتخاذ القرارات بشكل أسرع والتي كان يتبناها مدراؤهم؛ الأمر الذي قد يفضي الى تسوية التسلسلية المؤسسية، ويشجع المزيد من التعاون والتفكير على أفق أوسع.
يجب تنظيم الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعله أكثر فعالية، مما يسمح بالتوسع في تطبيقه على أرض الواقع، إذ دائما ما يتساءل الناس ما هي أفضل الأماكن وأنجح النماذج التي يجب أن توضع فيه قدرات الذكاء الاصطناعي ضمن المؤسسات، والجواب كله يتوقف على الحالة الفردية لكل شركة، على أية حال يجب رفع مستوى الابتكار التقني ليكون بمقدور الشركات رصد التغييرات الحاصلة في التكنولوجيا بشكل أفضل، ولابد من توسيع موارد الذكاء الاصطناعي بسرعه لمواجهة التحديات التنافسية، نحن بحاجة كبيرة الى تثقيف الجميع من كبراء القادة وصولاً إلى الموظفين ذوي المناصب الأدنى؛ لذلك دائما ما أؤكد أن “ثقافة الشركة” هي التحدي الأكبر وليست التقنية، ومن هذا المنطلق فنحن نحتاج أكاديميات وورش تدريب وتدريبات عملية مكثفة لتعليم مهارات الذكاء الاصطناعي -مثل هيكلة وتحليل البيانات، ومصممي البيانات، والتمثيل البصري، وتقديم حلول الذكاء الاصطناعي-؛ وذلك عن طريق الاستعانة بأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لكتابة المنهج وتقديم التدريب المناسب من أجل تطوير الكوادر وأصحاب المواهب، يلي ذلك القيام بزيارات ميدانية الى الشركات المشابهة في القطاع من أجل رفع مستوى القدرات وفهم الأدوات على المستوى الداخلي، يجب أن تسعى الأكاديميات بكل قوة الى تثقيف كبار المدراء على كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وعلى طرق تحديد الفرص التجارية التي يقدمها، ويجب أيضا أن تعمل الأكاديميات على تقديم توجيهات تتعلق بكيفية توطيد وتكييف التغييرات الثقافية المطلوبة للصالح العام، ولهذا فأنا أرى أن على القادة حضور مثل هذه التدريبات حتى يبينوا عن مدى اهتمامهم والتزامهم بالذكاء الاصطناعي، قد لا تنجح التجربة الأولى كما خطط لها ولكن قد ننجح في المرات القادمة بعد فهم العبر والدروس، أنصح بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى كالصين والتي من المتوقع أن تتعدى حصة أبحاثها العلمية المنشورة في مجال الذكاء الاصطناعي بأمثالها من الأمريكيين.
وكما أسلفت فهناك حاجة ملحة لفهم وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي بسبب المنافع الاقتصادية والعلمية التي ستعود على الوطن- بما فيها التوسع في تعزيزعملية اتخاذ القرار وإسهامها في إحداث تغييرات أساسية في منهج الأعمال التجارية-، ولكن ينبغي أن نسهم جدياً في تثقيف المجتمع بشأن الذكاء الاصطناعي، وأن تستثمر المنظمات والشركات في التكنولوجيا بشكل أوسع؛ وبالتالي سوف نجد الشركات المتميزة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي تمتلك ميزة أكبر في عالم يتفوق فيه البشر الذين يعملون جنبا الى جنب مع الآلات في الأداء على البشر الذين يعملون حصريا لوحدهم أو مع الآلات التي تعمل وحدها، ولعلي في مقالات أخرى أتناول دور تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي في تطبيقات محددة.
———–
balmangour@gmail.com
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال