الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما كنت بالمرحلة الثانوية سأل احد المعلمين الطلاب: أين تجدون السعادة ؟ اغلب الاجابات كانت: في توفر المال ! وعندما كبرت أحلامنا نحو شغف السعادة أدركنا ان رفوف السعادة مليئة بالسلع المجانية، تلك السلع التي تنتجها وتستهلكها انت ايّاً كان نوعها، لم تعد الأموال الضخمة محركاً للسعادة فحسب، بل أن هناك الكثير من مفاتيحها بدءاً من المال الذي يغطي الاحتياجات الأساسية والعافية والرضا ومحبة الناس وانتهاءاً بشغف العمل، ثم التخطيط العقلاني الذي يمدنا بالطاقة الإيجابية للعطاء.
صحيح أن الثروة تلعب دوراَ مهماً في خلق السعادة ذلك لأنها شعوراً نفسياً يبعث على الاستقرار فبه تتحقق الكثير من العوامل الشخصية الأخرى المتغيرة كالصحة والسفر والبعد عن القلق والتوتر وحلول الطمأنينة وهي ما ستنعكس حتماً على الصحة وتجنب الأمراض وبالتالي تتضاءل الأمور السلبية الأخرى، ليس من الضرورة بمكان ان نحقق الثروات الكبيرة لنحصل على السعادة المهم هو ان نعمل على تحقيق الدخل الذي يتناسب مع الحاجة العقلانية في اطار الانفاق والادخار او حتى الاستثمار الممكن.
وفي المقابل هناك علاقة طردية بين مستويات المعيشة الكلية والسعادة فكلما تحسنت البيئة الاقتصادية وارتفعت وتوسعت اطر التشاركية الإنتاجية في الأنشطة والنمو الاقتصادي الجيد والمداخيل كلما قابلها زيادة في معدلات السعادة بيد أنه من المهم ان لا نحيز بوتقة المال فحسب ولكن هناك أيضاً جوانب لا تقل أهمية عن جلب المال كالثقافة والاستدامة البيئية والثقة والمجتمع المتكامل والخدمات والصحة وحق التعليم والعمل تحت إطار الحياة الاقتصادية والاجتماعية وقيمها المثلى، إن وسائل الاعلام بمختلف مجالاتها مطالبة اليوم بتوعية مجتمعية وصحية شاملة لتجنب العديد من المظاهر التي تستنزف الدخول في غير وجهتها الصحيحة وبأولويات الحاجات وتفاوت درجات أهميتها وذلك بخلق ثقافة إنفاقية واستهلاكية متوازنة مالياً واستهلاكياً.
هناك اخطاء استهلاكية فادحة في الوجبات السريعة والدهون والسكريات والزيوت التي أسهمت في افراط غير صحي وخاصة صغار السن ادى الى الإدمان والسمنة وهذه الممارسات لاشك بأنها استنزاف لنفقات الصحة العامة وتداعياتها المستقبلية التي ستوسع الفجوة بين السعادة ومتطلباتها المختلفة.
في أحد المجتمعات الوظيفية فيما مضى طُرحت فكرة زيادة الرواتب بنِسَب تتراوح من30 -40 % مع بعض الحوافز الاخرى مقابل رفع ساعات العمل بمعدل ساعة أو ساعتين، الحقيقة ان الموظفين استبشروا خيرا وكانت جميع ردودهم إيجابية وبالموافقة بل ان احد أضاف قائلاً:”أني على أتم الاستعداد للعمل اكثر من الساعات المقررة حال تم ذلك .. وهذا ما حدث فالمؤشرات الادارية حينها اثبتت الالتزام التام وزيادة في الانتاج والحراك عطفاً على ارتفاع الدخول.
وهذا يقودنا الى ان الفرص المتاحة لرفع الدخل بالأعمال الإضافية مكون مهم في الثقافة الاقتصادية والتي ستسهم بشكل أو بآخر الى رفع معدلات السعادة الفردية، ان متعة العمل تبعث على السعادة وفقاً للعديد من الدراسات والبحوث واصبح العمل الإيجابي ذا قيمة نفعية عالية في الإدارة والاعمال التجارية ويربط الكثير من المختصين بين أماكن العمل في شكلها الجذاب والأداء الوظيفي والأمان والتنظيم المثالي لبيئات عمل متطورة والشعور بالسعادة مما يعني أهمية التحرك لخلق مثل هذه الأجواء الراقية في أماكن العمل .
مجمل القول : يقول ألدوس هكسلي: لا يتم تحقيق السعادة عن طريق البحث عنها، فهي بصورة عامة منتج فرعي لأنشطة أخرى لذلك فإن اقتصاديات السعادة اليوم محل اهتمام الكثير من الدول والمجتمعات وتحظى أيضا باهتمام الخبراء لأنها تحدد العلاقات بين رضا الأفراد والقضايا الاقتصادية مثل التوظيف، الدخل، الثروة والتي تتحدد من خلال استخدام أدوات التحليل الاقتصادي القياسي لعدة عوامل تسهم في رفع او تخفيض رفاهية الإنسان وجودة الحياة.
وتشير أحدث الدراسات إلى ان العمل أكثر يزيد من السعادة في حين ان البطالة والديون الاستهلاكية تجعل الأفراد اكثر تعاسة لكن من المؤكد ان المزيد من السعادة طاقة إيجابية نحو حراك إنتاجي فردي ذو أثر بالغ على تحقيق نشاط متفوق في الإنجازات واثبات الذات والتفوق. وعليه فإن الأفراد أكثر سعادة هم أفراداً أكثر إنتاج وتفصيلا.
في ذات السياق أكدت رؤية المملكة 2030 على أن سعادة المواطنين والمقيمين تأتي على رأس الأولويات، بتوفير حزم واسعة من الأنشطة والبرامج الترفيهية والعمل على اكتمال هذه المنظومة من كافة الاتجاهات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال